ضغوط العمل عن بعد: كيف تتعامل معها بذكاء؟

يوفر العمل عن بعد الكثير من المزايا لكل من الشركات والموظفين، لكنه مثل أي نظام عمل آخر، لا يخلو من الضغوط، لهذا تعد مهارة التعامل مع ضغوط العمل عن بعد إحدى المهارات الرئيسية التي ينبغي لكل شخص إتقانها. فما هي ضغوط العمل عن بعد، وكيف تتعامل معها بذكاء؟

جدول المحتويات:

ما هي ضغوط العمل عن بعد؟

ضغط العمل لا يرتبط بمهنة محددة أو صناعة بعينها، فأصحاب مختلف المهن في المجالات المتنوعة يتعرضون لذلك الضغط، وهي حالة سلبية تسيطر على الموظف عن بعد كرد فعل لسبب متعلق بالعمل وعناصره.

مصادر ضغوط العمل عن بعد

هناك عدة مصادر تخلق نقاط ضغط بالنسبة للموظفين عن بعد، وطبقًا لمنظمة الصحة العالمية، يمكن تقسيم ضغوط العمل إلى نوعين؛ أحدهما مرتبط بمحتوى العمل والآخر مرتبط بسياقه. محتويات العمل قد تمثل الضغط القائم من خلال:

  • عدم تحديد أهداف المهام المطلوبة منك.
  • حجم المهام الكبير وعدم تناسبه مع معدل الإنتاجية المطلوبة.
  • عدم مرونة ساعات العمل.
  • غياب التواصل والمشاركة في اتخاذ القرار.

أما عن سياق العمل فله العديد من الجوانب التي تسبب الضغط:

  • غياب الأمان الوظيفي وفرص الترقي.
  • عدم توفر متابعة داعمة لك.
  • فقر الثقافة التنظيمية.

وهناك أسلوب آخر يمكن من خلاله تصنيف مصادر الضغوط، منها ما يسبب الضغط بطريقة غير مباشرة كتلك المصادر التي تشتت التركيز، ومنها ما ينتج عنه الضغط بطريقة مباشرة.

أولًا: مصادر تشتيت التركيز

هناك أربعة مصادر أساسية تقلل من تركيزك عند العمل عن بعد أهمها:

1. التشتيت الرقمي

تسبب الهواتف الذكية والرسائل الواردة والمكالمات الهاتفية الكثير من التشتيت، رغم أن الموظفين ممن يعملون بمقر العمل معرضون لنفس المشتتات الرقمية، إلا أنك كموظف عن بعد مُعرض أكثر لذلك الضغط الرقمي.

لأنك تستخدم المزيد من الوسائل الافتراضية للتواصل، وتنظيم الوقت، وتخطيط المهام، ومشاركتها. وكما تزيد تلك الأدوات والبرمجيات من إنتاجيتك، فإنها تجعلك أيضًا سهل التشتت وفقدان التركيز.

2. الأمور الشخصية بالمنزل

قد تحتاج لتنفيذ بعض الأمور الشخصية الضرورية بالمنزل كترتيب الغرف، إعداد الطعام، رعاية الأسرة والأطفال؛ خاصةً إذا كنت رب أسرة. هي مشتتات لا يد لك فيها، فأنت مجبر عليها، وعليك القيام بها دون المساس بحدود العمل وواجباته.

3. التراكم الخيالي للمهام

يرى أغلب الموظفين عن بعد أنهم يعملون بجهد أكبر موازنةً بمن يعملون بمقر الشركة. يمكن حل تلك المشكلة، بعمل حلقة وصلة قوية بين الموظفين عن بعد والموظفين بالمقر، فلا يرسم أي طرف من الأطراف صورة خيالية للآخر.

4. عقلية العمل المستمر

أحيانًا يصعب عليك كموظف عن بعد إغلاق عقل العمل مجرد انتهاء ساعاته، حيث تأتيك رسالة إلكترونية خاصةً بالعمل، أو يظهر لك تنبيه خاص بأحد المهام المستعجلة وغيرها. كأن العقل يقوم بتنفيس ذلك الضغط من خلال نسيان بعد التفاصيل، أو ارتكاب أخطاء غير مقصودة، وكلها مصدرها ما سبق ذكره.

ثانيًا: مصادر ضغط العمل المباشرة

أما عن المصادر المباشرة لضغط العمل، هي تلك التحديات التي تواجهها كموظف عن بعد أثناء تأديتك لوظيفتك، سواء كانت ضغوط مادية متعلقة بالأدوات التي تستخدمها والراتب الذي تستلمه والعمل نفسه الذي تقدمه في شكل منتج نهائي، أم كانت ضغوط معنوية مثل الوقت والجودة والأفكار والمشاعر السلبية التي تجتاحك أثناء العمل، يمكن اختصارها من ثلاث نقاط أساسية أهمها:

1. ما يتعلق بنفسك

مثل عدم توفر الثقة الكافية بالنفس، قد تكون في حالة ضغط دائم خوفًا من فقدان الوظيفة وعدم الترقي؛ فقد ترى نفسك ليس جيد بالقدر الكافي. يمكن زيادة ثقتك بنفسك من خلال: طلب تقييم دوري خاص بالمهام التي أنجزتها يرسله إليك المدير.

2. ما يتعلق بالآخرين

قد يكون مصدر الضغط التعامل مع زميل مؤذي عن بعد؛ يتعاون معك لتأدية أحد المهام، فتتولد مشكلات عن ذلك التعاون. على المدير السيطرة على تلك الخلافات وحلها حتى لا تتفاقم. ومن الممكن أن يكون المدير نفسه مصدر الضغط، ولا يستطيع التعامل معك بالطريقة التي تساعدك على العمل والتقدم.

3. ما يتعلق بالعمل

التكليف بتسليم عدد من المهام ذات جودة محددة من الأمور التي تجعلك في ضغط مستمر لا ينقطع، فذلك دائمًا يجعلك في حاجة إلى السرعة والدقة بنفس الوقت.

كلها ضغوط تتراوح مقدارها من شخص إلى آخر، ومع ذلك يمر جميع الموظفين بها، ودائمًا ما تكون هناك وسائل يتخلص من خلالها الموظف من ضغوط العمل عن بعد أو بالمقر، وهي حلول تلجأ إليها لتنفذها بنفسك، ولكن هناك حلول صممت خصيصًا لمن يعانون ضغوط العمل عن بعد.

مؤشرات تعبر عن زيادة ضغوط العمل عن بعد

تعدّ متابعة أداء الموظفين لأنفسهم وإنتاجيتهم جزء من مراقبة الذات، فمنها تعرف اتجاه سير عملك إن كان في تقدم أو تأخر. وجزء من تلك المتابعة، ملاحظة المؤشرات التي تدل على زيادة ضغوط العمل.

1. تجنب التواصل البصري

يُعدّ تجنب التواصل البصري من إحدى مؤشرات زيادة ضغوط العمل، فإذا وجدت نفسك تتجنب التواصل البصري مع دوائر زملائك وأصدقائك، أو حتى لجأت لإغلاق الكاميرا في أحد اجتماعات العمل بالفيديو، دون إبداء سبب واضح، فذلك قد يعني وقوعك في أحد فخاخ ضغوط العمل عن بعد، الحل الأساسي لتلك المشكلة هو المصارحة والمواجهة، والتحدث مع المدير ومسؤول الموارد البشرية فيما تمر به من ضغوط.

2. ازدياد الأخطاء والأعذار

كأي موظف عن بعد مُكلف بعدة مهام لها مواعيد تسليم، وإذا كثرت أعذارك وتحول تأخرك في تسليم المهام إلى عادة، فهناك مشكلة تؤثر سلبًا على العمل وإنتاجيته بلا شك. عليك تحديد مدى صحة تلك الأعذار؛ هل هي أعذار لأمور عاجلة أم من الممكن تأجيلها؟

هل غرضها الأساسي سد بعض الاحتياجات الشخصية أم غرضها الأصلي هو الهروب من العمل؟ فإن لاحظت أن أغلب أعذارك هشة الجذور، إذًا أنت تعاني من ضغوط العمل! وعليك مراجعة نفسك وتحديد الأسباب الرئيسية لظهور ذلك المؤشر.

3. تكرار توضيح المهام وإعادة الإجابات

إذا كنت تعاني من ضعف التركيز، فهو مؤشر قوي لازدياد ضغوط العمل، وعليك كموظف العمل على تسجيل الملاحظات الرئيسية أو المثيرة للحيرة بالاجتماع حتى لا تنساها مرة أخرى، واللجوء إلى التمارين التي تساعد على صفاء الذهن.

4. تناقص المرونة

ضعف القدرة على مواجهة النقد، الغضب وانفلات الأعصاب لأتفه الأسباب، فقدان الاهتمام بالهوايات والأنشطة التي كانت تسبب السرور والمتعة من قبل، كلها علامات تؤكد أنك ليس بأفضل حالاتك، وأن ضغوط العمل قد أثرت سلبًا عليك.

5. سيطرة الكلمات السلبية

قد يكون مؤشر دقيق وغير ملحوظ، ولكن متابعة الموظف للكلمات المتكررة على لسانه، وملاحظة مديره لأسلوب حديثه من خلال الرسائل الرسمية على البريد الإلكتروني أو الاجتماعات الافتراضية، هي نقطة هامة يجب أخذها في الاعتبار.

فحين تصف المهمة بأنها مستحيلة أو يصعب الانتهاء منها في الموعد المحدد، ذلك يدل على إصابتك بالروح الانهزامية لمرورك ببعض ضغوط العمل، خصوصًا إن كنت من الشخصيات الإيجابية في أغلب الأحيان.

حلول عملية لمواجهة ضغوط العمل عن بعد

أولًا: إعداد روتين ثابت

سواء كان عملك كموظف عن بعد يتميز بمرونة وقت العمل، أم يجب عليك أداء مهامك في ميعاد محدد، يستحسن عمل روتين يومي ثابت خاص بأيام العمل قبل بدء ساعاته؛ ليتضمن الاهتمام بالصحة البدنية من خلال الحركة وأداء التمارين الرياضة.

كما يتضمن الروتين الاهتمام بالنفس من خلال تمارين التنفس العميق التي تساعد على التخلص من ضغوط العمل، بعدها تتناول وجبة إفطار صحية، تساعدك على أداء واجباتك. بعد الانتهاء من التأهيل البدني والنفسي في بداية اليوم، تكون على استعداد للقيام بمهامك، وتكون أولوياتك للمهام الصعبة، إن كانت جميع المهام على نفس درجة الأهمية.

ثانيًا: التحضير للعمل

ربط العمل بمساحة معينة، من الحيل التي تساعد على الفصل بين العمل والراحة. فلا تختلط حالة بأخرى، ووضع ميعاد انتهاء العمل نصب أعينك من الأمور التي تساعدك على إنجاز المطلوب في الميعاد المحدد؛ لتصل في النهاية إلى نقطة الراحة بسلام متجنبًا أيًا من ضغوط العمل.

ثالثًا: إدارة المهام والمكافآت

قد يستغرق إنهاء إحدى المهام يومين أو أكثر، لذلك ستحتاج كموظف عن بعد إلى تقسيمها إلى عدة مهام صغيرة، فتضع مكافأة لنفسك تناسب حجم كل مهمة، حتى لا تشعر بالملل من تلك المهمة الطويلة، ولتحصل على مبتغاك في الختام وهو مكافأة إنهاء المهمة كاملة.

رابعًا: تحديد أهداف يومية

عليك كموظف عن بعد وضع أهداف يومية لنفسك، لمراقبة إنتاجيتك وتنمية التحفيز الذاتي، فتكون الأهداف واقعية ويمكن تحقيقها بنهاية ساعات العمل، والغاية من وضع الأهداف هي التشجيع، فإذا صارت الأهداف مستعصية، تحولت إلى ضغط جديد عليك يضاف إلى ضغوط العمل القائمة.

خامسًا: حماية اهتماماتك وهواياتك

الاهتمام بالعمل هو الأمر الرئيسي المطلوب منك، ولكن مطلوب منك أيضًا منع الاحتراق الوظيفي Burn Out. فالعمل هو جزء من الحياة، ليس كلها، فإن غلبت نواحي العمل حياتك سرعان ما تشعر بالإرهاق والضغط سريعًا.

لذا، عليك تحديد اهتماماتك التي تساعد على تحسين حالتك النفسية وتخلصك من قيود ضغوط العمل، وتدفعك للشعور بالرضا عن النفس والسرور، سواء كانت القراءة، مشاهدة الأفلام، أداء الألعاب الجماعية، الذهاب إلى النادي الرياضي وغيرها.

سادسًا: تحسين علاقتك بزملائك

عليك العمل على تحسين علاقتك بزملائك ممن تتعامل معهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة، فالإنسان اجتماعي في الأصل، لذلك عليك معرفة الاهتمامات المشتركة التي تربطك بزملائك. قد يكون إنشاء نادي قراءة فكرة جيدة، وتحديد موعد لمشاهدة فيلم ومناقشته نشاط ممتع بلا شك، في حالة بُعد الموقع الجغرافي لأفراد الفريق، كل الأنشطة ستكون من خلال منصات التواصل الافتراضي.

أما في حالة قرب الموقع الجغرافي، قد تكون ممارسة كرة القدم أو الذهاب إلى إحدى صالات البولينج من الأنشطة التي تنمي روح التعاون والتنافس الإيجابي بين الفريق، وتقلل أيضًا ما ينتجه العمل من ضغوط.

سابعًا: تطوير مهاراتك الفردية

كثيرًا ما تشعر بأن وظيفتك ليست مفيدة بالقدر الكافي، وتبحث عما هو أفضل ويفيد مسارك المهني، مما يولد جزء من ضغوط العمل. يمكنك تطوير مهاراتك، لتزيد من فرصة حصولك على وظيفة تحقق آمالك من خلال مهامها. فلن تشعر بأنك تفقد وقتك هباءً، ولكنك تستفيد منه كاملًا.

يكون ذلك التطوير من خلال القراءة والدورات التدريبية سواء كانت واقعية أو عن بعد، والبحث المكثف عن المعلومات والتطبيق المستمر. تطوير مهارات الموظف عن بُعد الفردية قد تساعدك في النهاية إلى الترقي بوظيفتك الحالية، والحصول على مهام تناسب قدراته المتنامية.

ثامنًا: تطوير المهارات الجماعية

قد توجد بعض المهارات التي يحتاجها جميع أفراد الفريق أو أغلبهم، مشاركة تجربة تعلم مهارة جديدة أو تنمية مهارة ما، من الأمور التي تقلل ضغوط العمل عن بعد بشكل كبير، فهذا الفريق هو الجماعة التي تواجه غالبًا نفس الضغوط الذي يصدرها العمل، فبدلًا من وجود الأفراد في جزر منعزلة، لِما لا تقترح المفيد للفريق ويساعدكم على تخطي ضغوطكم؟

تاسعًا: مساعدة الغير هي جزء من مساعدة النفس

قد تكون في أشد الحاجة إلى الدعم، ولكن مساعدة الغير قد تجعلك في أفضل حالاتك، فتلك المساعدة مهما كانت بسيطة تقلل من الاكتئاب وتزيد من الثقة بالنفس، والأهم أنها تخفض من مستويات الضغط، فكأنها استراحة للأعصاب.

قد تكون تلك المساعدة استماع إلى صديق قديم يشكو همه، وقد تظهر في صورة نشاط خيري تطوعي، فتتحول المساعدة في سد احتياجات الغير إلى وسيلة لإعادة تأهيل النفس.

عاشرًا: اللجوء إلى مختص الموارد البشرية

اللجوء إلي مسئول الموارد البشرية يعني الحاجة إلى حل يتضمن الحصول على إجازة، فقد يكون أخذ استراحة تهديء من أعصابك هو المفتاح الأخير. تتخلص بها من ضغوط العمل وعليك استغلالها في أحسن صورة، سواء بالذهاب إلى مكان جديد، وممارسة هواية جديدة تعيد بناء الذهن لينال رشاقته مرة أخرى!

بعض ضغوط العمل قد تكون مفيدة!

ليست كل الضغوط سيئة، فأحيانًا تكون ضغوط العمل عن بعد في صالح الإنتاجية! بناءً على قانون يركيس دودسون، فإن الضغوط إيجابية إلى حدٍ معين، فإذا تجاوزت ذلك الحد، أثرت على العمل بالسلب.

ببساطة، عدم قدرتك على التحدث عن إحساسك بالضغط، قد يولد المزيد من الضغوط. لذا، قد يكمن الحل في المشاركة، إذ كشفت دراسة حديثًا أن زملاء العمل ممن يشاركون الحديث حول إحساسهم بضغط المهام لمدة 15 دقيقة، ينعكس ذلك بزيادة أدائهم بنسبة 20%.

ختامًا، ضغوط العمل من العناصر التي لا يمكن منعها بشكلٍ تام، ولكن يمكن الحد منها، ومسئولية إدارة ضغوط العمل عن بعد تقع على عاتق الموظف أيضًا لا مديره وحده، فعلى الموظف مواجهة ضغوط العمل بصورة شخصية تتفق مع طبيعته وأسلوب حياته، حتى لا ينتهي الأمر بالاحتراق الوظيفي.

تم النشر في: الإنتاجية، النجاح في العمل عن بعد