لطالما كانت القيادة تحدٍ كبير يتطلب من القائد امتلاك الرؤية والحكمة إلى جانب الكثير من المهارات التي تتجاوز إدارة الفريق وتخطيط الأعمال إلى تحقيق النمو المستمر للمؤسسة أو الشركة. الآن، وبالتزامن مع ترسّخ سياسة العمل عن بعد وإمكانية تباعد فرق العمل جغرافيًا وزمانيًا والاستمرار في العمل بكفاءة، باتت القيادة عن بعد تحدِ هي الأخرى.
إن العصر الحالي يستمر في تقديم العديد من المتغيرات التي تشكل تحديًا لأنظمة العمل وأدوار القيادة في الشركات الناشئة. ما يضعنا أمام حاجة أساسية للحديث عن القيادة عن بعد والاعتبارات التي يجب على القائد أن يعيها في ظل التغيير والتحديات التي تلقي بظلالها على إنتاجية فريق العمل ونمو الشركات الناشئة.
اعتبارات القيادة عن بعد في ظل التغيير
القيادة عن بعد تحدي مستمر يتطلب من القائد أن يضع نصب عينيه ثلاثة محاور أساسية للحفاظ على المرونة في مواجهة التغيرات هي:
- الرؤية المشتركة: إن وجود رؤية مشتركة واضحة يعمل القائد وفريق العمل في إطارها يمهد الطريق أمام الشركة لتحديث خططها واستراتيجياتها بما يضمن الدعم والثقة المتبادلة داخل بيئة العمل.
- الإطار التنظيمي: لا بد من وضوح الإطار التنظيمي الذي يعمل بداخله الفريق، لما لذلك من دور جوهري في تشكيل وعي أفراد الفريق نحو التغيير وإسهاماتهم في إنجاحه، كل شخص حسب موقعه ومهاراته.
- ثقافة بيئة العمل: تلعب ثقافة بيئة العمل دور محوري في المرور من الأزمات وتقبل التغييرات، حينها يصبح الدعم متبادلًا بين القائد والفريق ويصبح الحفاظ على روح معنوية عالية من أولويات العمل عن بعد.
لأن المراهنة على حجم التغييرات ووقعها على الشركة وخطط عملها لا يمكن الإحاطة دائما بكل أبعاده وآثاره، فإن من الحكمة والسلامة أن تؤّسّس الشركات الناشئة آخذة بعين الاعتبار المحاور السابقة بما يسمح ببقاء القائد والفريق في وضع حر وحافزية عالية لمواجهة التغييرات من أجل ضمان مرونة الشركة بدلًا من جمودها.
تحديات القيادة عن بعد
التحديات التي تواجه القيادة في الشركات الناشئة لا حصر لها على المستوى الإداري والتنظيمي. لكن ثمة تزايدًا ملحوظًا في تحديات القيادة عن بعد، تلك التحديات التي يفرضها العمل عن بعد سواء على مستوى التزام الأفراد أو سهولة التواصل مع الفريق. إن للمسافة دورًا مباشرًا في تغييب بعض التفاصيل، وخلق المزيد من الفجوات داخل الشركة وهو ما يجب على القائد أن يعيه.
نرشّح لك: كيف تتواصل مع فريقك الذي يعمل عن بعد بفعالية؟
في نظام العمل التقليدي حين يعمل الفريق داخل بيئة عمل فيزيائية، فإن فرص المتابعة تزداد بما يسمح بالوقوف على التفاصيل التي لا يمكن ملاحظتها من خلف الشاشة في العمل عن بعد. فالتواصل المباشر ضرورة بشرية لا يمكن تعويضها، لكن يجب على كل قائد إعادة النظر إلى أدوات التواصل المستخدمة مستعيناً بكل ما تقدمه التكنولوجيا من أدوات للتواصل وعلاج للفجوات التي قد تخلقها المسافة.
وجهات نظر حول القيادة عن بعد
إن العمل عن بعد يفرض على القائد في الشركة الناشئة ضرورة التعامل المرن مع المتغيرات والمستجدات، في حين أن فريق العمل قد يبدي مقاومة للتغيير لأسباب متنوعة تشمل عدم كفاية تدريبهم للتعامل مع ما يتطلبه الوضع الجديد أو اعتقادهم أن هذا الوضع سيؤثر على إنتاجيتهم وقدراتهم على العمل وما إلى ذلك.
من الضروري الإشارة إلى أن أحد العوامل التي يساهم العمل عن بعد في تكوينها في أذهان فريق العمل في الشركات الناشئة هي غياب الإيمان بالتغيير كأحد أساسات عمل الشركات الناشئة، ربما لأن العمل عن بعد يساهم في ترسيخ مفهوم أن النجاح في العمل مرتبط بتسليم الأعمال المطلوبة بغض النظر عما يحدث في البيئة الخارجية.
ومن هنا فإن استيعاب القائد لأهمية التغيير يجب ألا يتعارض مع احتواء مخاوف وأسباب الفريق والعمل على تفكيكها و تخطيها. يجدر بالذكر أن العمل عن بعد يتطلب من القائد التذكير المستمر لفريق العمل برؤية وأهداف الشركة الناشئة، ودفعهم باتجاه إحداث التغييرات المستمرة على مستوى مواقعهم وأدوارهم، ما قد يساهم في تقريب وجهات النظر وتعزيز مفهوم التغيير أو تقبله.
أرضية عمل مشتركة لتخطي الأزمات
إدراك القائد لأهمية دوره القيادي أصبح ضرورة ملحة للمضي قُدمًا، فلا يوجد خريطة مثالية لنمو الشركات الناشئة وتنظيم العمل عن بعد، إلا عددًا من المعايير قد تضمن وقوف القائد والفريق على أرضية مشتركة برؤية موحدة أبرزها:
وضوح الأدوار
إن ضبابية التوزيع في الأدوار يؤثر بالسلب على كفاءة فريق العمل وإسهاماته في نجاح الشركة، بل يمتد إلى مستوى التزام الأفراد بأدوارهم. لذلك فإن القيادة عن بعد تتطلب من القائد الوقوف المستمر على الأدوار الموزعة، والتأكد من توافقها مع إمكانات الأفراد على مستوى مهاراتهم وظروفهم الحياتية. وهو ما يساعد في إظهار جوانب الضعف في بيئة العمل، واتخاذ الإجراء المناسب من خلال توفير تدريبات أو أدوات عمل جديدة وغيرها.
على القائد الناجح ألا يُغفل دوره في تعزيز قدرة الفريق على حل المشكلات من خلال تبسيط رؤية الشركة واستراتيجيتها، وإتاحة المجال لفريق العمل على اقتراح حلول فعالة بكل ثقة لما يواجههم من مشكلات وتحديات بشكل يتوافق مع رؤية الشركة. وهنا يتبين أن القيادة تتطلب الشفافية في طرح المشكلات ونقاش حلولها.
تحديث آليات العمل
يجب على القائد أن يلقي اهتمامًا مستمرًا للتنظيم الذي تُدار الأعمال وفقًا له، لما لذلك من أهمية في اكتشاف العقبات والتحديات التي تقف في وجه إنجاز الأفراد لأعمالهم أولاً بأول. وبذلك يستطيع إعادة توزيع المصادر والأدوات في الشركة محققًا النفع الأقصى منها آخذًا بعين الاعتبار واقعية المهام والأدوار ومعززًا التواصل البناء بين القائد وفريق العمل.
إن التقييم المستمر لخطط العمل يتيح الفرصة للفريق التفكير معًا، وبذلك يمكن للقائد تعزيز التعاون والعمل المشترك والتفكير الجماعي. كذلك فإن القائد الناجح يسعى باستمرار لتذكير فريق العمل أن التغيير في آلية العمل وتنظيمه لا يتعارض مع أهداف الشركة، بل ربما يحققها بطريقة أفضل ويضمن إنتاجية أعلى في أداء الفريق.
التكنولوجيا من أجل تواصل أفضل
المزيد من التواصل أصبح مطلوبًا للحفاظ على روح الفريق في بيئات العمل عن بعد، حيث أن يقع على عاتق القائد إبقاء فريق العمل مطلعًا على الظروف والمتغيرات المحيطة، ودورهم كأفراد في دعم التغييرات ونجاح الشركة. ورغم أن المسافة التي يخلقها العمل عن بعد قد تحفز الإنجاز الفردي مقارنة بالإنجاز مع الآخرين، فإن التكنولوجيا توفر حلولًا وأدوات بديلة تسمح بسد تلك الفجوات إذا ما تم استثمارها بطريقة فعالة.
قد يهمك أيضًا: أبرز 6 تطبيقات لعقد الاجتماعات عن بعد
الثقة والدعم النفسي
إن العمل عن بعد في الشركات الناشئة يحتم على القائد الناجح أن يبذل المزيد من الجهد في اتجاه دعم فريق العمل معنويًا، لاستيعاب المتغيرات وقدرتهم على تحقيق الأهداف بثقة ونجاح. إن الابقاء على روح معنوية عالية وزيادة انتاجية الفريق يكون ممكنًا إذا كانت بيئة العمل داعمة فتجد فريق العمل يسعى جاهدًا في المقابل لبذل أفضل ما لديه.
إن دور القائد يتضح في كونه القادر على منح الأفراد الثقة بقدرتهم على إنجاز مهامهم عن بعد، وتقبل الأخطاء وتقويمها من خلال التقييم المستمر، ما دامت ليست دليلًا على الاستهتار وعدم الالتزام. وبالمثل فإن على فريق العمل أن يضع ثقته في قدرة القائد وإمكاناته وأن يقدم الدعم المستمر له.
عين على المستقبل
إن الأزمات التي تعصف بعالم الأعمال وإن كان وقعها متفاوتًا من شركة إلى أخرى، إلا أنه لوحظ توجه الكثير من الشركات الكبيرة إلى التخلي عن جزء كبير من مكاتبها واعتماد سياسة العمل عن بعد. إن هذا التوجه يؤكد أن القيادة في الشركات الناشئة تتطلب إبقاء أعين مفتوحة واعتماد رؤية ابتكارية في خطط واستراتيجيات أعمالها.
يمكن اعتبار أن التغيير القادم سيشمل اتجاهات وأطراف متنوعة ربما لم تعتبرها الشركات الناشئة مصدرًا لتهديد نموها حتى اللحظة. لكن ما يمكن قوله هو أن من الضروري على القائد استغلال قدرات الشركة ومصادرها وخبراتها في العمل عن بعد. والأهم من ذلك هو أن يعيد دراسة المحيط الخارجي، آخذًا بعين الاعتبار الفرص والتهديدات إذا ما زالت سياسة العمل عن بُعد هي مجرد رد فعل للأزمات وليست على أجندة الشركة الناشئة حتى الآن.
تم النشر في: مايو 2020
تحت تصنيف: أصحاب الشركات | مهارات قيادية