يُعد اختيار المسار المهني أحد أهم القرارات التي قد يتخذها الإنسان في حياته، إذ يقضي الشخص العادي ما يقرب من ثُلثِ حياته في العمل، يسعى خلالها نحو الرضا والاستقرار والنمو وزيادة الدخل، وهو ما يتحقق فقط إذا اخترتَ المسار المهني الذي يتناسب مع شخصيتك وقدراتك وأهدافك، فكيف تنجح في اختيار وبناء مسار مهني ناجح لك؟

جدول المحتويات:

ما هو المسار المهني؟

يعبر المسار المهني عن كافة الخطوات التي يتخذها الشخص طوال سنوات العمل لا سيما تلك التي تتعلّق بمهنته، التي تشمل الوظائف المختلفة التي شغلها، والمهارات التي اكتسبها، والعمل الذي أنجزه، والشهادات التي حصل عليها على مدار حياته.

فمثلًا؛ إذا بدأ شخص ما حياته كمتدرب في مجال المبيعات، ثم تعيّن كمندوب مبيعات، ثم تطوّر واكتسب بعض المهارات، وبدأ سلسلة من الترقيات نحو مشرف مبيعات في المنطقة، ثم مدير مبيعات على مستوى البلد، فإنه بذلك قد سلك مسارًا مهنيًا متكاملًا في مجال المبيعات يشتمل على الوظائف والمهارات والشهادات والمعرفة، وأسلوب الحياة التي مر خلالها بالكامل.

الفرق بين المسار المهني والمسار الوظيفي

بينما يعبر المسار الوظيفي عن الإجراءات التي يتخذها الشخص داخل نطاق الوظيفة التي يتواجد بها حاليًا، التي تتضمن معرفةً ومهاراتٍ متخصصة تؤهل الشخص إلى الحصول على تلك الوظيفة وتحقيق النجاح بها. فإن المسار المهني يعبر عن الرحلة الحياتية التي يمر بها الشخص، سواء كانت في وظائف مختلفة أو مؤسسات مختلفة، الأهم أن يصل إلى هدفه المهني في النهاية.

خطوات تحديد المسار المهني المناسب لك

لا نهدف بتلك الخطوات لأن تختار وظيفةً توفّر لك دخلًا مناسبًا، بل مسارًا مهنيًا متكاملًا يناسبك لبقية حياتك، وبالنظر إلى أهمية تحديد المسار المهني في جعل حياتك سعيدة أم لا، فإن إنفاق بعض الوقت في البحث والتخطيط واختيار المسار المهني المناسب، يستحق العناء.

أولًا: تعرّف إلى نفسك

الخطوة الأولى لتحديد المسار المهني الخاص بك تتمثل في معرفة مهاراتك ومواهبك ونقاط قوتك، حتى تتمكن من تحديدها بسهولة، أجب عن هذه الأسئلة:

  • ما الذي تستمتع بتعلمه؟
  • كيف تحب قضاء أوقات فراغك؟
  • ما هي المهارات الشخصية التي تتميز بها؟ مثلًا: إدارة الوقت، التواصل الفعال مع الآخرين، حل المشكلات.
  • ما هي المهارات التقنية التي تتقنها؟ مثلًا: اللغات، التصوير، الكتابة، تحليل البيانات، التسويق.
  • ما المجالات التي تهتم بها؟ مثلًا: التكنولوجيا، الطب، العلوم، المجالات الإبداعية.

بمجرّد الإجابة على تلك الأسئلة، ستظهر أمامك بعض المجالات والخيارات التي قد تتحوّل فيما بعد إلى مسار مهني منفصل.

ثانيًا: حدد أولوياتك المهنية

بعدما تعرفتَ إلى نفسك، حان الوقت لاستكشاف تفضيلاتك في العمل. بناءً على تجاربك السابقة وصفاتك الشخصية وأهدافك، حدد مواصفات المسار المهني الذي تريده، فمثلًا: ما هي بيئة العمل التي تفضلها؟ المصانع أو المكاتب أم المواقع أو المنزل. وهكذا. بالطريقة نفسها، فكّر في كل عنصر من تلك القائمة على حِدة، واكتب إجابات واقعية تتناسب معك:

  • ما هو الراتب الذي سيحقق أهدافك المالية؟
  • ما الفوائد والتأمينات التي ترغب في تواجدها؟
  • ما هي طبيعة العمل التي تفضلها؟
  • هل تفضل المرونة في العمل أم الحزم والالتزام؟
  • هل النمو الوظيفي من أولوياتك؟
  • ما هي أهدافك طويلة المدى في الحياة؟

ثالثًا: اكتب قائمة بالمسارات المهنية المُتاحة

بالتأكيد أنك جمعت الآن الكثير من المعلومات عن نفسك وعن مواصفات المسار المهني الذي تودّه، حدد الآن في قائمة مُطوَّلة المجالات التي يمكن أن تتخذها كمسار مهني مستقل، ولا تحذف منها شيئًا، فقط أدرج كل الخيارات المتاحة التي قد تخطر على بالك، وتشمل:

  • المسارات المرتبطة بمواهبك وشغفك.
  • المسارات المتعلقة بمجال دراستك.
  • المجالات التي سمعتَ عنها يومًا وقد تراها مناسبة مبدئيًا.

رابعًًا: ادرس المسارات المهنية المتاحة

استكشف الآن كل مسار مهني في القائمة على حِدة؛ حتى تتمكّن من تحديد المسار المهني الأفضل لك في نهاية تلك الخطوة، وتشمل تلك الخطوة البحث عن:

فرص النمو

تذكّر أنك لا نختار وظيفة لتحصل على دخل مادي فقط، بل نختار مسار مهني تسلكه لبقية حياتك، لذا من المهم معرفة نوع الفرص التي يُتيحها هذا المسار للعاملين به، ما الذي يمكن أن تصل إليه بعد خمس سنوات إذا اخترت هذا المسار؟ وللإجابة على هذا السؤال تواصل مع أحد المتخصصين في هذا المسار المهني، واطلب منه المساعدة.

المسؤوليات اليومية

اطلع على الوصف الوظيفي للموظفين العاملين داخل هذا المجال، ما هي السمات العامة التي تتصف بها مسؤوليات ومهام تلك الوظائف؟ بالطبع تختلف المسؤوليات من وظيفة إلى أخرى، ولكن التعرّف عليها قد يعطيك فكرة شاملة عمّا ستبدو عليه حياتك إذا اخترت هذا المسار المهني.

أسلوب العمل

يشير أسلوب العمل إلى الطريقة التي تُنجز بها المهام، وطريقة التواصل مع الآخرين والتخطيط داخل نطاق العمل، ففي حين تتيح بعض المسارات قدرًا كبيرًا من الإبداع والمبادرة والحرية، إلا أن البعض الآخر يتسم بالالتزام والحزم والنمطية، لذا ابحث عن أسلوب العمل الخاص بكافة المسارات المهنية أمامك.

الرواتب

الراتب ليس كل شيء، ولكنه مهم في أثناء اختيار المسار المهني الخاص بك. لذا ابحث عن نطاق الرواتب الخاص بالوظائف داخل هذا المسار المهني، لتعرف ما إذا كانت هذه الرواتب ستحقق أهدافك المالية المستقبلية أم لا.

التعليم

تتطلب الكثير من المسارات المهنية درجات علمية مُحدَّدة أو شهادات تدريبية. لذا ابحث عن متطلبات كل مسار مهني، وحدد ما إذا كنتَ تمتلك تلك المتطلبات بالفعل أم يمكنك الحصول عليها أم أنه قد فات الأوان لذلك.

خامسًا: حدد المسار المهني

في هذه المرحلة، تمتلك كافة المعلومات عن نفسك، وعن أولوياتك المهنية، وعن المسارات المهنية المتاحة، لذا يسهل الاختيار الآن، كل ما عليك فعله الآن هو الإجابة على هذا السؤال: ما هو المسار الذي يلبي أولوياتك المهنية ويتناسب مع مهاراتك وأهدافك؟

سادسًا: اختبر المسار المهني

إذا لم تكن متأكدًا بعد من المسار الذي ستختاره، فجرّبه، تقدّم للبدء في هذا المسار كمتدرب أو موظف بدوام جزئي، وراقب كل ما يدور حولك من آلية عمل وموظفين ومديرين، سيعطيك ذلك معرفة كافية بالمجال وتفاصيله قبل أن تختاره.

كيف تبني مسار مهني ناجح؟

بعدما اخترتَ المسار المهني الذي ستسلكه، فكيف ستنجح به إذا؟ إليك خمس خطوات مباشرة تساعدك على بناء مسار مهني ناجح:

1. تخيّل رؤية واضحة

الرؤية هي صورة مستقبلية للمسار المهني الذي تريده، كيف تتخيّل نفسك بعد 10 سنوات؟ ما الحياة التي تتخيلها لنفسك في المستقبل؟ وسواء كنت تتخيّل نفسك مديرًا لشركة أو ثريًّا لم تعد بحاجة إلى العمل، فإن وجود صورة واضحة لمستقبلك المهني والشخصي، يمنحك مزيدًّا من الثقة والتوجيه في أثناء اتخاذ القرارات الحالية.

2. حدد أهدافًا مهنية ذكية

أن تنشئ مشروعك الخاص ليس هدفًا ذكيًا، بل مجرّد حلم، أما الأهداف المهنية الذكية هي الأهداف التي تتسم بالآتي:

  • محددة: أي دقيقة وواضحة قدر الإمكان.
  • قابلة للقياس: أي إن هناك معايير يمكن من خلالها قياس مدى نجاح هذا الهدف في المستقبل.
  • قابلة للتحقيق: أي واقعية يمكن تحقيقها.
  • ذات صلة: أي ترتبط برؤيتك الكاملة وأهدافك الحياتية والمهنية العامة.
  • محددة زمنيًا: أي أنها مرتبطة بإطار زمني محدد.

لذا؛ ابدأ الآن بتحديد وكتابة أهدافك الذكية طويلة المدى، التي تريد أن تصل إليها في مسارك المهني ذلك.

3. ضع خطة لمسارك المهني

التخطيط هو الخطوة الحاسمة في بناء مسار مهني ناجح، فالأهداف ستظل خيالًا إذ لم تكن هناك خطة لتحقيقها، وذلك لأن الخطة هي الإجراءات والخطوات التي يجب أن تنفّذها حتى تنتقل من وضعك الحالي، لتصل إلى أهدافك خلال المدة الزمنية المحددة.

قسّم أهدافك طويلة المدى إلى سلسلة من الأهداف قصيرة المدى القابلة للتحقيق، وستساعدك تلك الأهداف على رؤية المسار بوضوح، وتحديد المهارات والخبرات والإجراءات التي يجب اتخاذها حتى تنتقل للهدف التالي، وهكذا بالترتيب.

اكتب خطتك بالتفصيل داخل إطار زمني محدد، فمثلًا: خلال تلك السنة يجب أن تلتحق بدورات متخصصة في الإدارة والتخطيط حتى تترقى إلى منصب مدير الفريق في الشركة، وهكذا قسّم مسارك المهني المنشود إلى خطوات قصيرة، واكتبها في ورقة وضعها أمامك طوال الوقت.

ولا تنسَ أن تجعل خطتك مرنة وقابلة للتغيير، فهناك الكثير من الظروف المفاجئة التي قد تحدث وتؤثر على خطتك، فلا تيأس حينها ولا تتمسّك بالخطة حتى الفشل، بل عدّل في خطتك لتتوافق مع المُستجدات، الأهم أن تصل إلى هدفك في النهاية.

4. طوّر مهاراتك

لكل مسار مهني بعض المهارات الشخصية والتقنية التي تؤدي إلى نجاحك حين تتقنها، تعرّف إلى تلك المهارات من خلال أحد المتخصصين أو الناجحين في مسارك المهني، وابدأ في جمع مصادر تعلّم تلك المهارات من دورات تدريبية وكتب ومقاطع فيديو.

لا تقتصر تلك العملية على البداية فقط، فسوق العمل يتغيّر وتتزايد متطلباته ومهاراته كل يوم، وهذا يعني أنك بحاجة إلى التعلّم والتطوّر باستمرار، فاللحظة التي ستتوقف فيها عن التعلّم وتطوير مهاراتك، هي نفسها اللحظة التي سينهار فيها مسارك المهني.

5. كوّن علاقات مهنية

لا يعتمد بناء مسار مهني ناجح على ما تملكه من مهارات ومعرفة فقط، بل ما تملكه من علاقات أيضًا. لذا لا تتوقّف عن بناء علاقات مع أشخاص يتشاركون معك مسارك المهني، وهذه بعض النصائح التي تساعدك على تكوين شبكة قوية من العلاقات داخل سوق العمل:

  • انضم إلى مجموعاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي والمهني، وتفاعل معهم.
  • شارك في مؤتمراتهم وندواتهم وفعالياتهم.
  • لا تخجل من التعرّف عليهم وبدء المحادثات معهم.
  • لا تتردد في مساعدتهم على حل مشاكلهم.

لا تدخر أي جهد في اتباع تلك النصائح، فتلك العلاقات ستوفّر لك فرصًا جديدة وتساعدك على الوصول إلى أهدافك المهنية، والتغلّب على العقبات التي ستواجهك.

وفي النهاية؛ ابق على اطلاع دائم بالاتجاهات والمهارات والأخبار الجديدة المتعلقة بمسارك المهني، سيساعدك ذلك على اتخاذ قرارات مهنية أفضل، واكتشاف الطرق والأساليب الجديدة التي تصل بك إلى أهدافك.

تم النشر في: بناء خبرات العمل عن بعد، مهارات وظيفية