تمثل حياتنا المهنية رحلة تتخللها محطات من النجاح والفشل، فلا يخلو أي مسار وظيفي من التحديات التي قد يكون بعضها ضروريًا للنمو والتطور، والبعض الآخر قد يعيق هذا التطور لدرجة تدفعك إلى تغيير المسار المهني بالكامل، والانتقال إلى مسار جديد يحقق أهدافك المهنية والشخصية. فكيف تضع خطة عملية لإعادة اكتشاف مسارك المهني لتبدأ من جديد؟
ما هي أسباب تغيير مسارك المهني؟
تتعدد الأسباب التي تدفعك إلى التفكير في تغيير مسارك المهني، بدايةً من الركود الاقتصادي وتقلبات سوق العمل وما يتبعهما من تراجع الطلب على وظائف مجالك الحالي في مقابل صعود وظائف أخرى برواتب أعلى، ومرورًا بعدم الرضا عن حياتك المهنية الحالية أو تعرضك الاحتراق الوظيفي، وحتى للبحث عن تحديات وخبرات جديدة خاصةً إذا لم تجد فرصًا أخرى للتطور في مجالك الحالي.
8 خطوات عملية لتغيير مسارك المهني
يمثل تغيير الوظائف تحديًا في ذاته، فما بالك بالتغيير إلى مهنة جديدة كليًا! بالتأكيد يُعدّ خُطوة كبيرة وقد يُمثل حِملًا شاقًا في البداية، لذا لا بد من التأني واتخاذ خطوات عملية مدروسة بعناية كالآتي:
1. قيّم وضعك الحالي
يُعد تغيير المسار المهني قرارًا كبيرًا يحتاج إلى روّية ثاقبة وتقييم لوضعك الحالي؛ لاستكشاف إذا ما كان هذا القرار صحيحًا في هذا التوقيت أم لا. لذلك خذ وقتًا كافيًا لفهم السبب الرئيسي في تغيير مسارك المهني.
على سبيل المثال، إذا كنت تشعر بالملل والرتابة من وظيفتك، أو كنت تعاني خلافات مع مديرك الحالي، فربما بحثك عن هذه الوظيفة في شركة أخرى أو تطوير مهاراتك سيكون أفضل لك من اللجوء إلى قرار تغيير مسارك المهني. اسأل نفسك هذه الأسئلة لتقييم وضعك الحالي:
- ما هي التحديات التي دفعتني للتفكير في تغيير مساري المهني؟ هل يمكن حلها بدلًا من اللجوء إلى مسار جديد؟
- هل أنا على استعداد حقيقي لتغيير مساري المهني وخسارة وظيفتي الحالية؟
- هل لديَّ القدرة على تعلّم مهارات الوظيفة الجديدة؟
- هل يمكنني تحمّل احتمالية خفض الراتب من أجل الالتحاق بمسار مهني جديد؟
- هل لديَّ ملاءة مالية تُمكنني من الاستمرار لفترة زمنية دون عمل حتى الحصول على الوظيفة الجديدة؟
- ما الذي أتمنى تحقيقه من خلال تغيير مساري المهني؟
تكشف إجابتك على هذه الأسئلة مدى قدرتك واستعدادك لخوض مسار مهني جديد، وتُبين لك إذا ما كان الوقت مناسبًا لهذا التغيير أم لا. لذلك اهتم جيدًا بتقييم وضعك الحالي قبل الاستمرار في الخطوات التالية.
2. اكتشف مهاراتك الشخصية
هناك مفهوم شائع أن تغيير المسار المهني يعني أن تبدأ من الصفر، هذا صحيح نسبيًا إذا كان المسار المهني الجديد مختلف تمامًا وبعيد الصلة عن مسارك الحالي. لكن لا تنسى أن لديك مهارات اكتسبتها من مسارك السابق يمكنك تطويرها والاعتماد عليها.
على سبيل المثال، إذا كنت محاميًا، وترغب في الانتقال إلى مسار مهني جديد يتعلق بالتسويق، يمكن أن تساعدك مهارات اكتسبتها من مهنة المحاماة، مثل القدرة على التفاوض والإقناع والبحث والتحليل على بدء مهنة التسويق.
لذلك اكتشف مهاراتك الشخصية التي تُمكّنك من إجادة المسارات المهنية التي تجد شغفك فيها. وإليك بعض الأسئلة التي يمكن أن تساعدك في ذلك، وتُظهر أمامك نقاط قوتك وتكشف لك نقاط الضعف التي تحتاج إلى تحسينها للتحول إلى المسار المهني الجديد مثل:
- ما هي قدرتي على التعلم واكتساب مهارات جديدة؟ ستحدد لك الإجابة مدى مرونتك ومقدرتك على تعلم مهارات المسار المهني الجديد.
- كيف أتعامل مع التحديات؟ سيكشف لك قدرتك على حل المشكلات واتخاذ القرارات.
- ما هي الأهداف الشخصية التي حققتها بفضل مهاراتي؟ فكّر في الإنجازات التي تراها نتيجة مباشرة لمهاراتك.
- هل أستطيع العمل ضمن فريق؟ ستكشف لك الإجابة قدرتك على التعاون والعمل الجماعي.
- كيف أدير وقتي وأولوياتي؟ قيَّم مهاراتك في إدارة الوقت وتنظيم العمل.
- كيف أتعامل مع التغيير؟ قيَّم مدى مرونتك وقدرتك على التكيف مع التغيرات الجديدة.
- ما هي المهام التي استمتع بأدائها؟ ستحدد لك الإجابة الأنشطة التي تشعر بالتميز فيها.
واحدة من أبرز المهارات الشخصية التي ينبغي أن تكتسبها لتساعدك على الانتقال للمسار المهني الجديد هي استمرارية التعلم، خاصةً أن أي مسار مهني سترغب في الانتقال إليه سيحتاج منك تعلم مهاراته الأساسية وإتقانها.
3. حدد أهدافك المهنية
بعدما تمكّنت من تقييم وضعك الحالي واكتشاف مهاراتك الشخصية، حان الوقت لتحديد أهدافك المهنية. ستلعب هذه الخطوة دورًا هامًا في انتقالك إلى المسار المهني الجديد. ويُفضّل أن يكون هدفك المهني متوافقًا مع خبراتك السابقة، واهتماماتك، ومهاراتك الشخصية، وليس بعيدًا عنها.
على سبيل المثال، إذا كنت تعمل في مهنة الطب لكنك لا تستمتع بممارستها، بينما لديك شغف بالكتابة والترجمة، في هذه الحالة يمكن أن يكون هدفك في المسار المهني الجديد أن تصبح كاتبًا أو مترجمًا طبيًا. لذلك خذ وقتًا كافيًا في التفكير حول أهدافك من المسار المهني الجديد. ويمكن أن تسأل نفسك الأسئلة التالية لمعرفة ما ترغب في تحقيقه:
- ما هي أهدافي طويلة المدى التي أرغب في تحقيقها عبر المسار المهني الجديد؟
- ما هو نوع الحياة المهنية التي أطمح إليها؟
- هل أريد أن يكون الترقي الوظيفي من أولوياتي في المسار الجديد؟
- هل أريد الحصول على راتب أعلى أو امتيازات مالية في المسار المهني الجديد؟
إذا استطعت الإجابة بواقعية على هذه الأسئلة، ابدأ في إنشاء قائمة مطولة تضم كل المسارات المهنية المتعلقة بمهاراتك وشغفك أو المجالات المهنية التي تراها مناسبة لك، ثم اكتشف طبيعة العمل الذي تحبه في المسار المهني الجديد. مثلًا: هل ترغب في العمل من مكتب أم عن بعد؟ هل تفضل العمل كمستقل أم بدوام جزئي أو كامل؟
4. ابحث في سوق العمل
بعد معرفة هدفك النهائي للانتقال إلى المسار المهني الجديد وطبيعة العمل الذي ترغب فيه، استكشف المسارات المهنية المتاحة لك وابدأ البحث في سوق العمل عن كل مسار على حِدة، واستطلع فرص النمو والترقي، والمهارات الأساسية، ومسؤوليات الوظيفة، ومتوسط الرواتب في كل مسار.
يمكنك الاستعانة بالنموذج السابق لحصر أبرز المسارات المهنية المناسبة المتاحة أمامك ومسؤوليات كل منها، وغيرها من التفاصيل. والمقارنة بينها لاختيار أكثر مسار مهني تفضله.
5. ضع خطة تنفيذية
لا تُعدّ الخطة التنفيذية للتحول للمسار المهني أداة تنظيمية فقط، بل هي خريطة طريق لتحقيق أهدافك المهنية الجديدة. تسهم هذه الخطة في متابعة مستوى تقدمك لتغيير مسارك المهني، من خلال تقسيم الأهداف الكبيرة إلى مهام أصغر يمكنك إنجازها في فترة زمنية محددة. وتساعدك على تعديل الاستراتيجيات والتقنيات اللازمة لتحقيق أهدافك.
على سبيل المثال، إذا كنت تريد الانتقال إلى مسار مهني جديد وليكن تصميم الجرافيك، يمكن أن تضع لنفسك خطة في خلال أربعة أشهر تتضمن المهام والأنشطة التي تساعدك على التحول للمسار الجديد. يمكنك الاستعانة بلوحة تغيير المسار المهني على أنا لتنفيذ مراحل الانتقال، وتخصيص ما يلزم حسب مجالك الوظيفي.
6. ابدأ عملية التأهيل
يعتمد تأهيلك للمسار المهني الجديد على عدد من الوسائل مثل: تحسين المهارات الأساسية لهذا المسار، وتنمية الجانب المعرفي، وممارسة التدريب العملي بما يجعلك مؤهلًا للوظيفة الجديدة. ربما لا تكون لديك كل المهارات التي تحتاجها للنجاح في مسارك المهني الجديد حتى الآن، لكن تطوير مهارات مسارك المهني السابق ستساعدك على تأهيلك للمسار الجديد.
على سبيل المثال، إذا عملت في المبيعات وتود الانتقال إلى مجال التسويق الرقمي، فإن مهارات مثل الإقناع والتواصل الفعال ستؤهلك لهذا المسار. لذا حدد المهارات القابلة للتطبيق في مسارك المهني الجديد وتحتاج إلى تحسينها، واهتم بالمرونة والتأقلم مع المتغيرات، لأنها ستساعدك على التكيف مع قبول وظيفة بمستوى مبتدئ في المسار الجديد.
ينبغي أيضًا الاستمرار في التدريب والتعلم للتأهل للمسار المهني الجديد. وبعد حصولك على الجانب المعرفي، يأتي دور التدريب العملي. لذلك حاول الحصول على فرص تدريبية أو تطوعية في المجال الجديد لتطبيق ما تعلمته. مثلًا، إذا كنت ترغب في العمل في مجال إدارة المشروعات، يمكنك الانضمام كمتطوع إلى فريق مشروع بإحدى الشركات. ستساعدك هذه التجارب في بناء سجل من الخبرات العملية التي تزيد من فرص نجاحك في مسارك الجديد.
7. تواصل مع شبكة علاقاتك المهنية
يُعدّ تكوين العلاقات المهنية من الخطوات الهامة التي ستحقق لك النجاح في مسارك المهني. يمكنك أن تتواصل مع شبكة علاقاتك من زملاء العمل السابقين، وتعريفهم بتغيير مسارك المهني وبحثك عن فرص للنمو والتطور في هذا المجال. إذ يمكن أن يكونوا من مصادر الدعم والإرشاد لفرص العمل المحتملة، مع احتمالية تقديمهم توصيات عنك لإحدى الشركات لشغل منصب وظيفي يناسبك.
ابدأ في بناء علاقات جديدة مع أشخاص يتشاركون معك نفس المسار عبر الانضمام إلى المجتمعات المهنية عبر الإنترنت، وشارك في المؤتمرات وندوات الإنترنت وورش العمل والفعاليات التي تناقش مهارات وأساسيات مسارك المهني. ولا تتردد في بدء المحادثات المهنية مع شبكة علاقاتك ومساعدتهم على حل مشكلاتهم.
8. استشر المتخصصين
تعد استشارة المختصين من الخطوات الهامة لتحقيق النجاح في الانتقال إلى المسار المهني. فالخبراء في مجالات التوظيف المختلفة لديهم فهم لمتغيرات سوق العمل، بما يُمكّنهم من تقديم نصائح تساعدك على الوصول إلى أهدافك المهنية، وتحليل نقاط القوة والضعف لديك، وتحديد المهارات التي تحتاج إلى تحسينها بما يعزز من ثقتك بنفسك وقدرتك على التكيف مع التحديات المهنية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمتخصصين إرشادك نحو البرامج التدريبية والدورات التعليمية المتخصصة التي تناسب احتياجاتك، وتوجيهك إلى الطرق التي تساعدك على تسويق نفسك بفعالية في مسارك الجديد.
ختامًا، يحتاج تغيير المسار المهني منك إلى تفكير عميق أولًا، وخطة محكمة قابلة للتحقيق واستمرارية في التطوير والتعلم، مع عدم التسرع لحصد النتائج، والاستعانة بالمتخصصين في الإرشاد المهني لتوفير رؤية أكثر وضوحًا. وستسهم المتابعة المستمرة لتقدمك، ومرونتك في تعديل الاستراتيجيات والتقنيات اللازمة من أجل التحول للمسار الجديد في تحقيق أهدافك المهنية.
تم النشر في: يوليو 2024
تحت تصنيف: العمل عن بعد | مهارات وظيفية
المقال ممتع فعلا