العمل، مهما كان نوعه، صعب وشاقّ ومجهد. فكل صباح عليك الاستيقاظ على صوت المنبه المزعج، ثم تجر نفسك من السرير، وتذهب إلى مقر عملك الذي قد يكون بعيدًا، ثم بعد يوم عمل طويل تعود إلى البيت منهكًا. لذلك عندما تسمع عن الأشخاص الذين يعملون عن بعد، فإنّ الأمر قد يبدو وكأنه وظيفة الأحلام التي طالما تمنّيتها. ولكن هل العمل عن بعد سهل كما يعتقد الكثيرون، أم أنّ وراء الأكْمة ما وراءها؟
في السنوات الأخيرة، انتشرت ظاهرة العمل عن بُعد، وأصبحت مقبولة على نطاق واسع، وأضحت تعتمده الكثير من الشركات. لا شك أنّ الموظفين عن بعد يتمتعون بامتيازات لا يتمتع بها الموظفون العاديون، لكنهم يواجهون تحديات خاصة، مثل الفصل بين الحياة الشخصية والمهنية لمن كان يعمل من المنزل، وكيفية التعامل مع عوامل التشتيت، هذه التحديات يمكن أن تحبط مسارك كموظف عن بعد إن لم تستعد لها.
إذا كنت تخطط لأن تصبح موظفا عن بعد، أو إن كنت كذلك بالفعل، ولكنك تجد صعوبة في التأقلم، أو أنّ إنتاجيتك ليست كما تأمل، فإليك 10 نصائح لمساعدتك على النجاح كموظف عن بعد.
خطط ليومك
خطط ليومك كل صباح، وخطط لكل ما ستفعله في يومك، وتأكد من إنجاز ما خططت له. أعدّ قائمة بالمهام التي عليك إتمامها، وجدوِل يومك بناء على ذلك. هذا سيساعدك على تنظيم وقتك، وتحسين إنتاجيتك، فأحد أكبر المشاكل التي ستواجهك كموظف عن بعد هي مسألة الحافز، فأنت تعمل لوحدك، وليس هناك رئيس يأمرك ويراقبك، ولا زميل يعينك، لذلك قد تفقد الحافز في العمل، وهذا قد يُضعف إنتاجيتك كثيرًا.
التخطيط يمكن أن يكون يوميًا، ويمكن كذلك أن يكون أسبوعيا أو شهريا، أو قبل كل مشروع. وهو مفيد للغاية، إذ سيحدث أحد احتمالين، فإما أنك ستتجاوز ماخططت له من قبل، وستنجز أكثر مما توقعت، وهذا أمر حسن، لأنه يعني أنّ قدراتك تتجاوز طموحاتك، وأنك قادر على فعل المزيد، وهذه ستكون فرصة مناسبة لرفع سقف طموحاتك. الاحتمال الثاني أن تعجز عن إتمام المهام التي خططت لها، وهذا سيكون إنذارًا لك، وحافزًا على بذل مجهود أكبر.
لا ينبغي أن يكون عملك عشوائيًا، فعلى خلاف الموظفين العاديين، الذين يُحدد المشرفون ما ينبغي عليهم القيام به في يوم العمل، فأنت وحدك، وعليك التخطيط ليومك، وترتيب أولوياتك، وقياس إنتاجيتك باستمرار.
افصل حياتك المهنية عن حياتك الشخصية
صدق أو لا تصدق، أحد الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الموظفون عن بعد هو العمل أكثر من اللازم. ذلك أنّ الموظف عن بعد ليس مضطرا للخروج من منزله والانتقال إلى مقر العمل، وهو ما قد يجعله يدمن العمل وينسى أنّ له حياة شخصية. أو قد يحدث العكس، قد يمضي الموظف عن بعد معظم وقته مع عائلته، أو ينشغل بالواجبات المنزلية، ولا يخصص الوقت الكافي لواجباته المهنية.
لهذا السبب من الضروري أن تضع حدودًا بين حياتك العملية وحياتك الشخصية، وأن تخصص مكانًا للعمل فقط، وأن تحدد الجدول الزمني للعمل، وأن تحترمه.
أكثر من يواجه تحدي الفصل بين الحياتين المهنية والشخصية هم المتزوجون الذي لديهم أطفال، هؤلاء قد يواجهون صعوبة في التركيز على عملهم، خصوصا إن لم يكن لهم مكان مخصص للعمل في المنزل لا يُقاطعهم فيه أحد.
نصيحتي لك هي أن تخصص مكانًا في المنزل للعمل فقط، تجنب العمل في المطبخ أو الصالة أو أمام التلفاز، أو الأماكن المشتركة، من الضروري أن تضع قواعد لك ولأفراد أسرتك عندما تعمل من المنزل. إن لم تستطع تخصيص مكان للعمل، أو إن كان المنزل مزدحمًا، بسبب مناسبة خاصة، أو بسبب الضيوف، ففكر في العمل من خارج المنزل، ستجد بالتأكيد أماكن عامة أو مقاهي مزودة بالواي فاي.
قسّم يومك
رغم أنّ العمل عن بُعد يوفر الكثير من المرونة، بيد أنّه ما يزال يتعين عليك الالتزام بجدول زمني محدد. ذلك أنك إن لم تحدد جدولًا زمنيا للعمل، فستجد نفسك إما تعمل طوال اليوم، أو تؤجل عملك باستمرار، ولا تعمل إلا قليلًا.
يتمتع الموظفون عن بعد بحرية أكبر من نظرائهم العاديين، لكنّ هذه الحرية ذاتها قد تكون عقبة أمامهم، وتغريهم أن يفعلوا أيّ شيء ما عدا العمل. ربما تعمل على كتابة مقال ما، وقد تقول إنّ أمامي تسع ساعات من اليوم، لذلك سأشاهد بعض الحلقات من مسلسلي المفضل، أو أشاهد مباراة كرة القدم، أو ألعب قليلا، ثم أنهي العمل لاحقًا. ويمضي اليوم لتجد نفسك لم تكتب مقالتك وتتحول حريتك إلى عبء وتوتر.
ضع جدولًا زمنيا صارمًا، وكن دقيقًا، والتزم به قدر الإمكان. مثلًا، هذا جدولي الزمني الذي أحب الالتزام به:
- استيقظ مع الفجر
- 4:00 إلى 07:00 – عمل
- 07:00 إلى 07:30 – إفطار
- 08:00 إلى الظهيرة – عمل
- بعد الظهيرة – افعل ما تشاء
بالطبع هذا الجدول الزمني يناسبني أنا، وقد لا يناسبك. فربما لديك أطفال، أو أنك تعمل في وظيفة أخرى، أو أنّ عليك إنجاز المهام المنزلية، أو إحضار الأطفال من المدرسة، أو التسوق، بعض الأشخاص يفضلون العمل ليلا (لقد كنت واحدًا منهم، لقد كانت فكرة سيئة)، لذلك فأفضل نصيحة أعطيها لك هي أن تضع جدولا زمنيا يناسبك أنت، وأن تلتزم به قدر الإمكان.
ما تعلمته من تجربتي أنه نادرًا ما ستتمكن من الالتزام بجدولك الزمني، هذا أمر عادي، لكن حاول التقليل من هدر الوقت ما استطعت. ولا تنس أن ترتاح بين الفينة والأخرى أثناء العمل، بعض الناس يفضلون أن يتخلل عملَهم استراحات قصيرة، البعض الآخر يفضل أن يعمل بشكل متواصل لمدة طويلة من الزمن، الأمر يعود لك.
إحدى التقنيات الشائعة لإدارة وقت العمل، والمستخدمة على نطاق واسع من قبل الموظفين عن بعد والمستقلين، هي تقنية الطماطم أو البومودورو1 (Pomodoro Technique)، وهي طريقة لإدارة الوقت طوّرها فرانشيسكو سيريلو أواخر الثمانينات، وتقوم على تقسيم وقت العمل إلى فترات زمنية مدة الواحدة منها 25 دقيقة، مفصولة باستراحات قصيرة.
تتألف تقنية الطماطم من خمس خطوات، وهي كالتالي:
- اختر العمل الذي تريد القيام به.
- اضبط المؤقت على 25 دقيقة
- ابدأ في العمل حتى ينتهي المؤقت.
- خذ فترة راحة قصيرة لمدة 3-5 دقائق ثم عد مرةً أخرى للاستكمال.
- عند كل 4 بروموداري (فترات عمل) خذ راحة من 15 إلى 30 دقيقة.
أعدّ بيئة العمل المناسبة
أعدّ مكانًا في منزلك مخصصًا للعمل. ويفضل أن يكون له باب حتى تغلقه إن خشيت على بياناتك أو معداتك، أو لإسكات الضوضاء وتجنب المقاطعة. كما يفضل أن تتجنب المطبخ أو الصالة أو أي مكان يمكن أن تُقاطَع فيه.
جهّز فضاء العمل خاصتك بكل التجهيزات المناسبة، أحد الأمور الجيدة بخصوص العمل عن بعد أنه يمكنك أن تصمم مكان العمل بالطريقة التي تحب، ويمكنك أن تعيد تصميمه متى شئت، أو تغير مكانه. إن كان لك لون مفضل فيمكنك صباغة مكان العمل به، أيضًا استثمر في المعدات، لا تعمل بحاسوب قديم وبطيء، إن كان صبيب الإنترنت بطيئًا فاختر باقة اشتراك أفضل، ولا تنس أهم شيء، وهو كرسي العمل (إلا إن كنت تفضل العمل على الأرض)، ينبغي أن يكون الكرسي مريحًا وصحيا.
إن كنت تعمل في منطقة قروية، أو كان لمنزلك حديقة أو فضاء خاص، فيمكنك بناء مقر عمل صغير بجوار منزلك. هذا الخيار قد يكون مكلّفا، وقد لا يناسب إلا أصحاب الدخل المرتفع، لكنه خيار ممتاز لمن لا يطيق الضوضاء، أو يحتاج عمله إلى التركيز الشديد.
أنجز أعمالك في الصباح
تُظهر الدراسات2 أنّ الأشخاص الأكثر نجاحًا وإنتاجية يعملون صباحًا، ويستيقظون باكرًا. حاول أن تنهي عملك، أو جزءًا كبيرًا منه قبل الغداء. الاستيقاظ الباكر لن يجعلك أكثر إنتاجية ويساعدك على تنظيم وقتك وحسب، بل سيجعلك أكثر سعادة بحسب بعض الدراسات3.
هناك فوائد عديدة للاستيقاظ الباكر، منها أنّ ذهنك يكون أصفى ما يكون صباحًا، لذلك يفضل أن تنجز الأعمال الصعبة في الصباح الباكر، أيضًا في الصباح الباكر، لن يقاطعك أو يزعجك أحد، لأنّ أكثر الناس لا يستيقظون باكرًا، حتى ضوضاء المدينة تكون أقل، أيضًا عوامل التشتيت تكون أقل، فمثلًا إن كنت تشاهد التلفاز كثيرًا، فعلى الأرجح أنك لن تجد عليه ما يستحق المشاهدة في الصباح الباكر، لأن معظم القنوات تبث أفضل برامجها في ساعات الذروة، والتي تكون في وقت متأخر من اليوم.
أبق قنوات الاتصال مفتوحة
التواصل هو التحدي الأكبر الذي يواجه الموظفين عن بعد، عندما تعمل من الشركة أو مقر العمل، فستعمل إلى جانب زملائك، وستلتقي برؤساءك باستمرار، وهذا يلطف الأجواء، ويعزز العلاقات، لكن عندما تعمل عن بعد، فالتواصل يصبح أصعب وأصعب.
تأكد من التواصل عدة مرات في اليوم مع المشرف أو الزملاء عبر البريد الإلكتروني أو الدردشة عبر الإنترنت أو الهاتف. يجب عليك أيضًا حضور اجتماعات دورية وجهًا لوجه مع المدراء وزملاء العمل إن كان ذلك ممكنًا. فأفضل طريقة لتطوير العلاقات هي اللقاءات الشخصية، أيضًا، إن كنت تعمل عن بعد، فقد يتم نسيانك أو التغاضي عنك في الترقيات، لذلك احرص على التواصل المستمر، وأشعرهم بوجودك.
استخدم تقنيات الاتصال المجانية. هناك عدد لا يحصى من الأدوات المتاحة للبقاء على اتصال وثيق مع زملائك في العمل. من بينها، Hipchat للمحادثات الجماعية، أو Trello و Asana لإدارة المشاريع.
تجنّب عوامل التشتيت وتضييع الوقت
تجنّب عوامل التشتيت، وركز في عملك، ولا تضيع وقتك، اضبط هاتفك على الوضع الصامت، أو أغلقه تمامًا عندما يتطلب عملك التركيز والانتباه، فالنظر المستمر في الهاتف دون سبب واضح سيفقدك تركيزك، ويضيع عليك الكثير من الوقت. تنطبق النصيحة نفسها على التحقق المستمر من فيسبوك وتويتر و LinkedIn وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، إلا إن كانت وظيفتك تتطلب ذلك.
أيضًا تجنب مغادرة المنزل بدون سبب، خصوصًا في الوقت المخصص للعمل. وتجنب ملاقاة الأصدقاء في وقت العمل، إن أردت رؤيتهم فليكن ذلك في وقت فراغك، أو في يوم العطلة، وإن جاؤوا إليك في وقت العمل، فأخبرهم بلطف أنك تعمل، لأنّ كثيرًا من الناس لا يفهمون العمل عن بعد، وقد يرون أنك لا تذهب للعمل، فيظنون أنك متفرغ طوال اليوم، لذلك عليك أن تشرح لهم طبيعة عملك، ولا تستحي منهم، وإلا فسيأتون في أوقات غير مناسبة لتجد أنك تخسر ساعة أو ساعتين يوميا من وقت العمل الثمين.
روِّح عن نفسك
استمتع بالمرونة التي يتيحها لك العمل عن بعد، واعمل بالوتيرة التي تحب، لكن تذكر أن تُروِّح عن نفسك أثناء العمل، ولا تذر العمل يستنزف وقتك وطاقتك.
إن قررت أن تعمل ست ساعات في اليوم مثلا، فلا تنس أن يتخلل وقت العمل بعض الاستراحات، يمكنك استخدام تقنية الطماطم التي أشرنا إليها في الأعلى، والتي تقوم على أخذ استراحة قصيرة كل 25 دقيقة، واستراحة طويلة كل أربع فترات عمل. أو يمكنك جدولة فترات الاستراحة بما يناسبك، أنا شخصيًا لدي قاعدة بسيطة، وهي أني أضع ميقاتًا، وأعمل ما شاء الله أن أعمل، فإذا توقفت نظرت إلى الميقات وحسبت المدة التي عملتها، ثم بعد ذلك أستريح لنصف المدة التي عملتها، مثلا إن عملت 30 دقيقة، فإني أستريح 15 دقيقة، ثم أواصل العمل، بالطبع عليك أن تجد ما يلائمك أنت، أنصحك أن تبدأ بتقنية الطماطم، فإن لم تصلح لك، يمكنك أن تبحث عن نظام ترويح خاص بك.
السؤال الآن، هو ماذا تفعل أثناء الاستراحة، الأمر يعود لك، إن كنت مشغوفًا بالشبكات الاجتماعية، فيمكنك قضاء وقت الاستراحة في تصفح تلك الشبكات، أو يمكنك مشاهدة اليوتوب، أو المشي قليلا، أو لعب ألعاب الفيديو، أو أي شيء يريح أعصابك، ويشحن طاقتك.
هذا عن الاستراحات القصيرة التي تتخلل العمل، لكن تحتاج أيضًا إلى استراحات طويلة من حين لآخر، مثلًا، يمكنك أن تخصص يوم عطلة في الأسبوع لا تعمل فيه، أو يمكنك أن تستريح ليوم أو يومين بعد الانتهاء من كل مشروع. أنا شخصيًا أستخدم ما أحب أن أسميه نظام “يومين في يوم”، أي أني أستيقظ باكرًا، وأنهي كل عملي في الصباح، ثم يبقى لي بقية اليوم لأفعل فيه ما أشاء، أجد أنّ هذه الطريقة فعالة في إبعاد الإرهاق، لأنك لن تشعر بأنّ العمل يستنزفك ويأكل كل يومك، فلديك نصف يوم فارغ يمكنك أن تفعل فيه ما تشاء، يمكنك أن تمارس فيه الرياضة أو إحدى هواياتك، أو يمكنك زيارة الأصدقاء والعائلة، أو التسوق، وهذا سيُجدد طاقتك لليوم الموالي.
ركز على عمل واحد
تعدد المهام (multi-tasking) قد يكون محمودًا أحيانًا، لكنّ الحقيقة أنّ قلة من الناس يمكنهم القيام بذاك بشكل جيد. لأنّ تعدد المهام يمكن أن يكون مرهقًا جداً، ويُشتت تركيزك وجهدك.
إن كان عليك القيام بثلاث أو أربع مهام، فلا تحاول إنجازها جميعًا في الوقت نفسه، أنجزها واحدة تلو أخرى، لأنّ ذلك سيساعدك على التحكم في وقتك بشكل أفضل، وأيضًا ستعرف المهام التي تأخذ وقتًا كثيرًا، ويمكنك العمل على تحسين إنتاجيتك فيها.
اعمل على السحابة
اعمل على السحابة، فالمستندات المهمة ينبغي أن تُرفع إلى خدمات التخزين السحابي، مثل Dropbox أو Google Drive. بهذه الطريقة، يمكنك تسجيل الدخول من أي مكان، ومن أي جهاز، يمكنك أن تبدأ العمل من منزلك على حاسوبك المكتبي، ثم تواصل العمل من هاتفك من مكان آخر، ثم تعود لتكمل عملك على حاسوبك المنزلي.
تم النشر في: يوليو 2019
تحت تصنيف: العمل عن بعد | النجاح في العمل عن بعد