ثقافة الشركة أو المؤسسة أو المشروع لا تنشأ مصادفة ولا يمكن بناؤها بين ليلة وضحاها، ولكنها محصلة العديد من الطرق والأساليب والممارسات المهنية ضمن الشركة وبمرور الوقت.
فعلى سبيل المثال عملية التوظيف من منطلق ثقافة العمل لا تقتصر على مجرد العثور على من يلبي متطلبات الشاغر الوظيفي ضمن المؤسسة وحسب، بل على الموظف الجديد مشاركة المؤسسة القيم والمبادئ والرؤيا ذاتها التي تعمل بموجبها.
إذ أن ثقافة الشركة مزيج عوامل تتكامل لتؤسس ثقافة وبيئة عمل، بناءً على رؤيا وقيم وأهداف يؤمن بها الفريق ويعمل بموجبها. ولأن هذه الأهداف والرؤيا والقيم تنبع من أعلى هرم المؤسسة كما كل شيء آخر ضمن بيئة العمل، فإن الممارسات الإدارية الإيجابية يعود لها الإسهام الأكبر لخلق ثقافة عمل على قدر من الجودة والكفاءة والفعالية، في حين أن الممارسات الإدارية السلبية قد تؤدي بثقافة العمل إلى عكس ما هو متوقع منها.
في هذا المقال سنتعرف على مجموعة من أبرز الأخطاء والممارسات الإدارية السلبية التي يمكن أن تضر ثقافة الشركة وتخلق بيئة عمل سامة غير مريحة، ولا تحقق ما يتوقع منها وما يأمله الموظفون.
ممارسات إدارية خاطئة قد تودي بثقافة الشركة
1. مهارات إدارية وقيادية ضعيفة
دورك كمدير شركة أو صاحب مشروع لا يقتصر فقط على التخطيط ووضع الاستراتيجيات وإدارة علاقات العمل والمتابعة والإشراف على تنفيذ تلك الخطط، بل إن الممارسات الإدارية والقيادية التي تظهر منك خلال المواقف والظروف المختلفة، حتى على صعيد الممارسات الروتينية اليومية لها الدور الأكبر في تأسيس ثقافة الشركة وروتين بيئة العمل، بل هو الحد الفاصل بين بيئة عمل صحية إيجابية، وبيئة عمل سلبية سامة لا تشجع على النجاح ولا تسهم في خلق ثقافة عمل مزدهرة.
تظهر ضعف المهارات الإدارية والقيادية في الشركات والمؤسسات بالعديد من الصور والأشكال، بدءًا من قلة المتابعة والإشراف إلى عدم تقبل الأخطاء والزلات وعدم تحمل المسؤولية، مرورًا بممارسات سلبية غير مريحة للموظفين أفراد الفريق تسهم بتدمير ثقافة العمل والحد من دورها الإيجابي البنّاء.
لذا من أبرز الأخطاء التي يمكن أن تؤذي ثقافة الشركة هو وجود مدراء ذوي مهارات إدارية وقيادية ضعيفة، لا يمكنهم القيام بالدور المطلوب منهم ضمن فريق العمل، بل ويسهم وجودهم في تأثيرات سلبية طويلة الأمد على كامل بيئة العمل ضمن المؤسسة.
بينما يمكن للمدراء ذوي المهارات والكفاءات الجيدة تعزيز ثقافة العمل وجعلها أكثر ارتباطًا بالقيم التي تعمل عليها المؤسسة وتلك التي يؤمن بها الفريق، هذا بالإضافة إلى كون المدراء الجيدين يمثلون قدوة للموظفين وهم المسؤولون عن إقناعهم بجدوى رؤية المؤسسة وأهدافها، وبالتالي تحفيزهم وتشجيعهم للسعي معًا نحو تلك الأهداف.
2. تشجيع المنافسة المحتدمة بين الموظفين
يقول يوفن توماس، وهو طبيب نفسي أمريكي، ويدير مركز متخصص في الاستشارات النفسية في لوس أنجلوس، يقول إن المنافسة تعزز من الطاقة الإيجابية ضمن المكان أو بيئة العمل، فهي تشجع الأفراد على أن يكونوا أكثر إنتاجية وحيوية، وتمنحهم طاقة للمزيد من التركيز والإبداع، وتجعلهم أكثر انضباطًا وسعيًا لتكون مخرجات عملهم بأفضل شكل ممكن قدر الإمكان.1
وهذا دائمًا ما يغري المدراء في الشركات والمشاريع لتشجيع المنافسة بين الموظفين، بل في كثير من الأحيان يساهم المدراء بتكريس مفهوم المنافسة بصورة مفرطة عبر برامج وحوافز تشجيعية، دون وعي منهم أن المنافسة بصورتها الطبيعية تؤدي إلى تركيز وإنتاج وإبداع أكثر، ولكن الشكل المفرط منها في بيئة العمل (المنافسة المحتدمة أو Hypercompetition) سيؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا.
في كثير من الأحيان وعند احتدام المنافسة بين الموظفين سيفتقدون للكثير من المفاهيم التي كانوا يعملون وفقها في الأحوال الطبيعية، لا يتمكن الموظفون المتنافسون من التفريق بين الحالات التي تصلح للمنافسة عليها والحالات التي تتطلب قدرًا من التعاون والمشاركة مع الأقران والزملاء في المكان.
وفي هذا السياق يقول يوفن توماس إنه من الصعب التعامل مع الشخص المنافس كونه في الغالب يفتقد لمهارات العمل كفريق ولا يميل أساسًا ليكون جزءًا من الفريق، وإنما جل التركيز يكون منصبًا على كيف يكون أفضل من الآخرين.
لذلك تشجيع المدراء لموظفيهم على المنافسة بينهم بشكل مفرط دائمًا ما يكون واحدًا من الأخطاء الكارثية على ثقافة العمل ضمن الشركة وعلى ما يؤمن به الموظفون من مبادئ ومفاهيم مرتبطة بالمنفعة المشتركة والتعاون وروح الفريق..
الأفضل هو المحافظة على نسبة معقولة من المنافسة دون أن يؤثر ذلك على العلاقة بين كل موظف وآخر، ودون أن يحد من ميلهم للعمل الجماعي والتعاون والمشاركة ضمن بيئة العمل.
3. سياسات توظيف خاطئة
تشير إحصائية من CareerBuilder أن نحو 74% من الشركات اعترفت باتخاذها لقرارات توظيف خاطئة في مرحلة ما من مراحل عملها، وبغض النظر عن الأسباب التي تؤدي إلى مثل هذه القرارات فإن التأثيرات التي تنعكس على الشركة كنتيجة لذلك عديدة ولا تقتصر فقط على ثقافة الشركة.2
بدءًا من تأثر إنتاجية فريق العمل إلى التكاليف المادية المتعلقة بتوظيف الشخص غير المناسب مرورًا بانخفاض جودة العمل وتأثر سمعة الشركة إلى الوقت المستهلك للعثور على موظف بديل، فإن عواقب قرارات التوظيف الخاطئة دائمًا ما تكون طويلة الأمد ومكلفة لموارد الشركة.
أما فيما يخص تأثير سياسات التوظيف الخاطئة على ثقافة الشركة، ففي الغالب يمتد هذا التأثير على كامل فريق العمل، إذ يتعين على الموظفين الآخرين تغطية النقص الذي يظهر نتيجة وجود أشخاصٍ غير مناسبين، وبالتأكيد سيؤدي هذا إلى مزيدٍ من الضغوط ويتطلب مزيدًا من الجهد.
فينشأ عن ذلك حالة من التذمر والانقسام والصراعات غير المعلنة بين الموظفين وتسود حالة من التوتر السلبي الضار لبيئة العمل، لذلك يقول جيف بيزوس مؤسس أمازون أن إجراء 50 مقابلة عمل دون توظيف أي شخص أفضل للشركة من توظيف الشخص الخاطئ.3
4. لا يوجد برامج حوافز
يستجيب الموظفون بشكل جيد للتقدير الذي يحصلون عليه نتيجة جهودهم المبذولة في العمل وما يحققونه من إنجازات، كون ذلك يؤكد على أهمية وقيمة أعمالهم ومسؤوليتهم في الشركة. من شأن هذا التقدير أن يحقق العديد من المنافع ليست فقط لثقافة الشركة وفلسفة العمل فيها ولكن أيضًا ينعكس في شكل نفع مادي ملموس يظهر في نتائج أعمال الشركة وأرباحها.
لذلك فإن امتلاك الشركة لبرنامج حوافز جيد ذو كفاءة يقدر جهود الموظفين ويقدم لهم ما يستحقونه لقاء تلك الجهود يساعد في خلق ثقافة عمل نموذجية ضمن الشركة بفضل الرضا الوظيفي الذي يتولد لدى طاقم العمل وما ينتج عنه من ولاء تجاه الشركة يخلق رابطة وثيقة الصلة بين الموظفين والعلامة التجارية التي يمثلونها.
وعلى العكس من ذلك فإن غياب مثل هذه البرامج عن سياسات الشركات تجاه موظفيها ينعكس بالسلب على ثقافة الشركة نتيجة هشاشة روابط الصلة بين الموظف والمؤسسة وغياب أية ممارسات تحفز ولاء الفريق وتقدر جهودهم وما يحققونه من إنجازات ومنافع للشركة.
ولعل نتفلكس واحدة من الأمثلة الشهيرة عن المؤسسات التي تقدم برامج ولاء وتحفيز للموظفين يجعلهم أكثر ارتباطًا وصلة بالمؤسسة، العطلات غير المحدودة وأنظمة المكافآت المرنة التي تقدم لموظفي نتفلكس تكاد لا تتواجد في غالبية الشركات الأخرى.4
ولو أنه ليس بإمكان كل الشركات أن تقدم ما تقدمه نتفلكس لموظفيها ولكن هذا لا ينفي ضرورة امتلاك الشركة لبرامج حوافز تعزز من الثقافة الإيجابية ضمن الشركة وتزيد من ولاء الموظفين.
5. غياب آليات تواصل قوية
غياب آليات تواصل جيدة وقوية بما فيه الكفاية عن المؤسسة أو حتى ضعف هذه الآليات يحد من قوة ثقافة الشركة ويجعلها أقل إيجابية، وبمرور الوقت يظهر تأثير هذا الأمر بالعديد من الصور بما فيه ضعف الإنتاجية وانخفاض الأداء وزيادة النفقات ومزيد من الضغوط على الموظفين.
بحسب دراسة حول هذا الموضوع كانت أجريت من قبل الإيكونومست توصلت لنتائج مفادها أن غياب آليات التواصل الجيدة ضمن بيئة العمل تظهر آثاره على شكل: 5
- الفشل أو التأخر في إتمام المشاريع بنسبة 44%.
- ثقافة عمل سلبية بنسبة 31%.
- انخفاض الأداء بنسبة 25%.
- زيادة الضغط والتوتر في بيئة العمل بنسبة 52%.
- انخفاض المبيعات بنسبة 18%.
لهذا السبب يعد التواصل الجيد والفعال ضمن الشركة عاملًا مهمًا لخلق بيئة عمل إيجابية صحية منتجة، نستنتج من ذلك أنه على كل مؤسسة تتطلع لبناء ثقافة عمل إيجابية أن تولي اهتمامًا خاصًا لبناء استراتيجية تواصل قوية ضمن الشركة وفيما بين أعضاء فريق العمل.
6. تجاهل المواهب البارزة
امتلاك موهبة مميزة ضمن فريق العمل حلم الكثير من المدراء وأصحاب الأعمال، ولكن هذا قد يكون تحديًا للمدير في بعض الأحيان على حد قول ليندا هيل مؤلفة كتاب Being The Boss والأستاذة الجامعية في معهد هارفارد للأعمال.6
إذ يتعين عليك المتابعة والتأكد دائمًا من أن كل شيء على ما يرام بالنسبة لهذا الشخص حتى تضمن تفاعله الجيد مع دوره الوظيفي ضمن الشركة، وفي الوقت ذاته يجب ألا يعطي هذا الاهتمام نتائج عكسية أو يجعله أقل اهتمامًا بمسؤولياته.
محاولة خلق هذا التوازن مع أصحاب المواهب هو ما يجعل وجودهم تحديًا بعض الشيء بالنسبة للمدراء مما يجعلهم أكثر ميلًا لتجاهل هذه الفئة من الأشخاص ضمن الفريق، ومن ثم معاملتهم كما الآخرون ضمن فريق العمل وتجاهل تميزهم وما يمتلكونه من مواهب في سبيل الحفاظ على التوازن ضمن الشركة.
ولكن على عكس ما يأمله المدراء لا يؤدي ذلك إلى نتائج محمودة ضمن الشركة، بمرور الوقت تنشأ حالة من التذمر مع محاولة أصحاب الموهبة فرض مكانتهم بفضل ما يتمتعون به من خبرات وإمكانيات مهنية تفوق الآخرين في حين يرفض الآخرون تقبل الأمر.
تبدأ ثقافة الشركة نتيجة هذا الشكل من الممارسات بالتأثر سلبيًا، وسرعان ما يظهر ذلك بصورة جلية في السلوك الوظيفي لأعضاء فريق العمل والقيم التي يعملون من أجلها والتي ترتكز عليها ثقافة المؤسسة ككل.
أخيرًا، لا شك أن ثقافة الشركة هي جهد جماعي يتطلب قدرًا كبيرًا من التعاون والمشاركة من قبل كافة الأطراف في بيئة العمل حتى يسود مناخ إيجابي يهيئ لثقافة عمل تنسجم مع المبادئ والقيم ورؤيا المؤسسة، ولكن تبقى الإدارة هي المسؤول الأول عن كل ذلك، وعليها تقع مسؤولية تنظيم تلك الجهود في سبيل تحقيق هذا الهدف وهو المحافظة على ثقافة العمل بالشكل المطلوب الذي يحقق أكبر قدر من المنفعة للمؤسسة والعاملين على حد سواء.
لا تنسَ أخيرًا أن تخبرنا عن أية تجارب لديك سواء إيجابية أو سلبية تتعلق بثقافة الشركة لديك.
المصادر: [6] [5] [4] [3][2] [1]
تم النشر في: يناير 2020
تحت تصنيف: أصحاب الشركات | نصائح لأصحاب الشركات