تعدّ مهارة التفويض من أهم المهارات والممارسات الإدارية التي يُنصح مديري وقادة فرق العمل في الشركات بتعلمها وتطويرها، لما لها من قدرة على على زيادة إنتاجية الموظفين وكفاءة مستوى أدائهم الوظيفي ونمو الشركة. فما المقصود بمهارة التفويض؟ وماهية الممارسة الصحيحة للمهارة؟ وهل هناك بعض المعيقات أو الممارسات الخاطئة التي قد تعيق تفويض المهام؟
ما أهمية تفويض المهام؟
تفويض المهام هو إسناد المهام إلى شخص آخر من أجل تولي مسؤولية تنفيذها. تختلف مستويات التفويض الممنوحة من قبل مدير الشركة بناءً على مدى وعيه بأهمية تفويض المهام ومستوى ثقته واعتماده على موظفي الشركة. وتنبع ضرورة تفويض المهام من صعوبة أن يتولى المدير تنفيذ جميع المهام في وقت واحد، إذ أن تفويض المسؤوليات سوف يخفف من الأعباء الواقعة عليه.
مع ذلك، قد يتراجع أو يتخوف بعض مديري الشركات من تفويض المهام إلى الموظفين وذلك خوفًا من حدوث الأخطاء في التنفيذ. قد تبدو أنها وجهة نظر يتوافق معها بعضهم ولكن مع تزايد الأعمال ستزداد صعوبة إدارة الشركة، وربما ستنتج أخطاء أكبر بسبب فقدان التركيز أو تراكم الاعمال في وقت واحد. وهذا ما أظهرته الدراسات، فقد حققت الشركات التي يمارس مديروها مهارة التفويض معدلات نمو وتوسع عالية، إذ يحصل المديرون على وقت أكبر للتفرغ من أجل تطوير الشركة وتوسيع أعمالها.
تأتي أهمية تفويض المهام ليس فقط بسبب أنها تساعد على إنجاز الأعمال، بل الأهم من ذلك أنها تعزّز من أدوار الموظفين وتزيد معدل انتمائهم لوظائفهم في الشركة. يزيد تفويض المهام من مسؤولية الموظفين تجاه أعمالهم ويرفع من مستوى ثقتهم في قدرتهم على أدائها. وبذلك، فإنها فرصة لتنمية مهارات القيادة وحس المسؤولية لديهم وبالتالي زيادة مساهمتهم في الشركة ورفع مستوى الرضا الوظيفي لديهم.
عناصر مهارة التفويض
لكي يتقن المدير مهارة تفويض المهام إلى موظفيه فإنّ عليه الإلمام بعناصرها الثلاثة:
- الصلاحية
يقصد بالصلاحية هو أن من حق مدير العمل أن يوجه الموظفين ويحدد لهم مهام معينة لكي يقوموا بتنفيذها في إطار العمل المطلوب إنجازه. هذا يعني أن المدير يملك صلاحية أعلى من موظفيه، التي يجب استخدامها في تفويض المهام وتوجيهها بالشكل المناسب.
- المسؤولية
تعني المسؤولية أن هناك إلزامًا يقع على الموظفين بإتمام المهام التي طُلِبت منهم على أكمل وجه. وعلى الموظفين أن يقدموا المستوى الذي يمنح مدير العمل الثقة في قدرتهم على إنجاز العمل بالشكل الصحيح.
- المحاسبة
يقصد بالمحاسبة هو أن الموظف يقع تحت طائلة المحاسبة في حال حدوث أي تقصير أو خلل يمنع من إنجاز الأعمال كما هو مطلوب. والمحاسبة تشمل جميع المهام التي يتم تفويضها من عدمه، وتتطلب أن يقدم الموظف تقريرًا عن سير العمل لمديره. من ناحية أخرى، يقع جزء من المحاسبة أيضًا على عاتق مدير العمل، إذ يتم تعريضه للمساءلة إذا لم يقدم التوجيه الكافي لموظفيه لإتمام أعمالهم. فلا يمكن توقع إنجاز الأعمال بشكل صحيح إذا لم تفوّض بالطريقة المناسبة.
ما أنواع المهام التي يجب تفويضها؟
الأعمال الشاقة التي لا تنعكس على نمو الشركة
تعدّ جميع الأعمال مهمة وجزءًا من نمو الشركة إلا أن هناك عددًا من الأعمال الروتينية التي تتطلب التكرار أو القليل من الابتكار مثل: إدخال البيانات، وترتيب الملفات، وغيرها من الأعمال الإدارية. هذه الأعمال لا تلعب دورًا أساسيًا في توسع الشركة ونموها رغم ضرورة تنفيذها، ومعظمها لا يتطلب مهارات عالية لإنجازها.
هنا يمكن لمدير الشركة تفويض هذه المهام بدلًا من أن يقوم بها، لكي يدخرّ المزيد من الوقت للتركيز على الأعمال التي تصبّ في نمو الشركة. تقع مسؤولية توزيع ضغط العمل على عاتق المدير من أجل أن يتم إنجازها في الوقت المناسب، لذلك تفويض مثل هذه المهام ضروري لضمان سير العمل بشكل صحيح.
الأعمال التي تقلل من حماستك للعمل
هناك بعض الأعمال التي تسبب انطفاء شغف وحماسة الشخص تجاه الرؤية الكبيرة التي يسعى لتحقيقها، وهو ما يجب على مدير الشركة أن يكون منتبهًا لها. لكي يستطيع المدير أن يحافظ على مستوى تركيز عالٍ ينصح بأن يفوض مثل هذه المهام لموظفيه وأن يتابع تنفيذها بينما ينشغل بالتركيز جلّ وقته على ما يخدم رسالة ورؤية الشركة.
في نفس الوقت، يجب أن ينتبه المدير ألا تتسبب مثل هذه الأعمال بانطفاء شغف الموظفين. لذلك فإن التوازن بين نوعية المهام التي يتم تفويضها وتوقيت تفويضها مهم جدًا. وينبغي أن يدرك الموظف أنه لا بد من قيامه بعدد من هذه الأعمال بين الفينة والأخرى، الأمر الذي لا يعني أن تنحصر كل أعماله في مثل هذه المهام دون غيرها.
الأعمال التي يتقنها شخص آخر بشكل أفضل
أحد أهم النقاط التي تشكل جزءًا رئيسيًا من نجاح أي منظومة إدارية وأي شركة هو وعي مدير الشركة بأن كونه المدير لا يجعل منه الأفضل بالضرورة. فكل موظف يتمتع بعدد من المهارات والمواهب التي تمكنّه من تنفيذ الأعمال التي يتقنها بأفضل صورة ممكنة.
الأمر الذي يُنصح مدير الشركة باستخدامه بشكل صحيح من خلال تفويض المهام للشخص الذي يتقنها، وفي ذلك فرصة مناسبة لتطوير مهارات الموظفين. فتفويض المهام بشكل أو بآخر يعني أن تُخرج أفضل ما لدى الموظفين من أجل أن يكونوا جزءًا من نجاح الشركة في المستقبل.
ما هي معيقات تفويض المهام؟
من المعيقات التي قد تواجه مدير الشركة هي صعوبة الفصل بين أدواره القيادية والتنفيذية في العمل. فقد يتحمّس المدير ويشمّر عن ساعديه ويبدأ في تنفيذ العمل الذي من المفترض أنه موكَل لأحد موظفيه بدلًا من أن يركّز على متابعة التنفيذ والتدخل حين يلزم الأمر. يحدث هذا بسبب عدد من العوامل التي تعد معيقات أو ممارسات خاطئة يقوم بها المدير وتمنع بدورها التفويض الفعّال للمهام.
1. الرغبة في تنفيذ المهام بشكل شخصي
قد يغيب التفويض الفعّال بسبب اعتقاد المدير أن الموظفين سوف ينجزون الأعمال بمستوى أقل جودة منه. فخوف المدير من قيام الموظفين بالأخطاء يدفعه لأن يتولى مسؤولية تنفيذ الأعمال بشكل شخصي بدلًا من تفويضها. وذلك يمنحه شعورًا أكبر بالراحة كونه ليس بحاجة للقلق حول متابعة أداء الموظفين أو تصحيح أخطائهم.
إلا أنّ تولّي المدير تنفيذ جميع المهام يضع الكثير من الأعباء على كتفه ويحرم الموظفين من فرص متنوعة لتحسين وتطوير قدراتهم. وقد يغيب عن ذهن المدير أنّ هناك الكثير من الموظفين ذوي المهارات العالية والمختصة في تنفيذ المهام، الذي سينعكس بدوره على جودة الأعمال وأداء الشركة للأفضل.
2. التخوّف من كراهية الموظفين
من جانب آخر، قد يتخوّف مدير الشركة من أنّ تفويض المهام قد يزيد من الضغوطات والأعباء على الموظفين مما يؤثر على علاقته معهم لتصبح أكثر توترًا وأقل تفاهمًا. وهو ما قد يتجلّى في قيام المدير بتحمّل ضغط العمل بشكل شخصي بدلًا من تفويض الأعمال لمن يستطيع القيام بها من موظفي الشركة.
ولذلك يُنصح مدير الشركة بتفويض المهام بشكل منظّم يراعي خطط الشركة ومواعيد تسليم الأعمال. تعدّ سلاسة توزيع وتفويض المهام أمرًا ضروريًا لتجنب تراكم الأعمال على الموظفين أو تقاطع مواعيد تسليمها وبذلك يتخلص المدير من مخاوفه تجاه كراهية الموظفين أو تأففهم من كثرة الأعمال وعشوائية توزيعها.
3. الحاجة لفرض السيطرة
على نقيض النقطة السابقة، قد يحاول المدير فرض سيطرته أو الشعور بقوة أكبر في الشركة من خلال زيادة مركزية دوره وتقليل تفويض المهام للموظفين. فهذا الشعور يتعزّز بزيادة حاجة الموظفين إلى العودة إليه لنقاش التفاصيل الصغيرة والكبيرة قبل إتمامها.
تنعكس رغبة المدير في فرض السيطرة على بيئة العمل بشكل حاد، مما يخلق جوًا متوترًا ومشحونًا بينه وبين الموظفين. من المهم جدًا أن يعي المديرانعكاسات هذا الأمر السلبية على الموظفين والشركة، وعليه فإنه يُنصح بالبدء في تعلم استراتيجيات التفويض وتقليل مركزية العمل.
4. القلق من قدرات الموظفين
قد يتخوّف المدير من أن يتفوّق موظفيه عليه، ما يدفعه إلى تجنب تفويض المهام إليهم. فقد يشكّل ضغطًا على المدير أن يستعرض الموظفين قدراتهم أو أن تنمو مع الوقت مما يبرز نقاط ضعفه أمامهم. فتجد نظام الإدارة الضعيف أو المتهالك يعزّز من تمركز الأدوار والأعمال حول المدير كطريقة لحمايته.
على النقيض، فإن بيئات العمل الناجحة تعزّز قدرات الموظفين وتنمّيها تحت إشراف ودعم واعٍ من مدير العمل. حين يكون الهدف هو نجاح الشركة فإن المدير سيضع كافة الجهود ويسخر الموارد البشرية والمادية من أجل نمو الشركة، بدلًا من أن يخلق جوًا سلبيًا يحبط الموظفين ويؤثر على رغبتهم في تطوير الشركة.
5. نقص الثقة في قدرة الموظفين
قد يعد هذا السبب أحد أهم المعيقات وأبرزها في عدم تفويض المهام إلى الموظفين. رغبة المدير في إنجاز الأعمال بكفاءة يضعه في موقع حرج للموازنة بين تنمية مهارات الموظف أو تسليم المهام بالجودة المطلوبة. فقد تجده يفضّل إنجاز الأعمال بشكل شخصي بدلًا من منح الموظف الثقة والفرصة لتطوير مهاراته وتقييمها.
يمكن لمدير العمل أن يتخطّى هذا العائق من خلال فهمه لمستوى قدرات موظفيه وتوفير التدريبات المناسبة ليتمكنوا من رفع مستواهم المهني وقدراتهم. فنقص الثقة في قدرة الموظفين لا يعني عدم تفويض المهام إليهم، بل على النقيض يجب اختيار المهام المناسبة وتفويضها للشخص المناسب. من المهم أن يمنح المدير موظفي الشركة الشعور بأنهم في بيئة عمل تحميهم وتعمل على تطوير قدراتهم، وليس انتقادهم أو التقليل من مستوى أعمالهم.
أهم النصائح من أجل تفويض فعّال
1. تَقبَّل الحاجة إلى تفويض المهام
تعد الخطوة الأولى من أجل تعزيز مهارة التفويض هو أن يتقبّل المدير حاجته لتفويض المهام. لذلك يُنصح المدير بالاطلاع على نماذج ناجحة لمديرين استطاعوا النهوض بشركاتهم من خلال تفويض المهام. يضاف إلى ذلك، أن الوعي بمهارة التفويض سيمنح المدير القدرة على التمييز بين ما يمكن وما لا يمكن تفويضه. وهنا يتمكن المدراء من توزيع الأعمال بمرونة وفقًا لنوعيتها وأولوية تنفيذها وبناءً على قدرة الموظفين وكفاءتهم.
2. امنح الثقة للموظفين
من أجل أن يثق المدير في موظفيه عليه أن يتقبل أن التعلم من الأخطاء هي أحد أهم المهارات التي يجب تعزيزها عند الموظف. فالموظف الذي يُمنح الفرصة ليختبر قدراته مع ثقته بأنه سيتم توجيهه ومساعدته من قبل مديره حين يحتاج الدعم ستجد تطورًا مستمرًا في أدائه.
يستدعي حدوث الأخطاء أن يقدّم المدير التوجيه للموظف، بدلًا من التخلي عن تفويض المهام له. وفي نفس الوقت، على المدير أن يعي بأن الثقة متبادلة بينه وبين موظفيه. فالكثير من الموظفين يراودهم الشك حول قدرة المدير على إتمام جميع الأعمال على أكمل وجه، وبذلك فإن الحل أمام المدريين يكمن في تقديم الدعم والتفويض معًا من أجل بناء الثقة مع الموظفين.
مما يزيد الثقة بين المدير والموظفين أن يمدح المدير الأعمال التي تتم على أكمل وجه من قبل موظفيه. ففي ذلك فرصة لدعم وتعزيز قدرة الموظف وثقته بنفسه. وفي نفس الوقت تشجيع لغيره من الموظفين على أن يكونوا أكثر شجاعة وينفذّوا الأعمال الموكلة إليهم بكل ثقة.
3. اختر الشخص المناسب
ينبغي للمدير أن يدرك قدرات موظفيه جيدًا وأن يفوض لهم الأعمال وفقًا لها. يمكن للمدير توزيع عبء العمل إلى وحدات موزعة وفق مهارات فريقه، وبذلك يفوض المهمة للشخص المناسب ذو الكفاءة المناسبة. فقد يقع الخطأ من المديرين في كثير من الأحيان حين يفوضون المهام للشخص الخطأ ومن ثم يشتكون من نقص ثقتهم بقدرة فريقهم على تنفيذ الأعمال بكفاءة.
قد يتطلب الأمر في بعض الأحيان أن يدرك المدير أهمية تدريب الموظفين لزيادة فهمهم لطبيعة أدوارهم والمهام التي يمكن أن توكل إليهم. وفي ذلك فرصة لتجهيز الموظف قبل تفويض المهام إليه، وأيضًا التأكد من استعداده وفهمه لطبيعة الدور المتوقع منه.
4. تابع تطور أداء موظفيك
يعدّ وجود نظام للمتابعة ومعايير لتقييم أداء الموظف مقابل الأداء الأمثل للمهمة أحد الأمور التي تشجع المدير على تفويض المهام لفريقه بثقة أكبر. تأتي أهمية نظام المتابعة من أنه يمكّن المدير من خلق موازنة بين خط سير تنفيذ المهمة والآلية المتبعة في تنفيذها، فيضمن تسليم المهام في موعدها وتجنب حدوث أي تأخير.
من جانب آخر، ينبغي ألا يتم الخلط بين المتابعة والتقييد للموظف، فالغرض من نظام المتابعة إبقاء عين مفتوحة على الموظف ليتم تقديم المساعدة إليه وقت حاجته إليها. أما حين يبدأ الموظف بالشكوى من شعوره بأنه مقيّد فهذا يعني وجود خلل في نظام المتابعة، الذي قد ينعكس على حافزية الموظف وقدرته على إتمام الأعمال بكفاءة.
5. اخلِق جوًا من التواصل المريح مع موظفيك
من المهم أن يمنح المدير الموظف مساحة كافية للتعبير عن رأيه ومناقشة أفكاره بحرية. يتزامن تفويض المهام مع الحاجة إلى الثقة بقدرة الموظف على القيام بكل ما يلزم لتنفيذ المهمة، وهنا يأتي أهمية التواصل الجيد بين المدير وفريقه.
إذ أن وجود جو مريح من التواصل بين المدير والموظف يزيد من مستوى الثقة بينهما ويعزّز فكرة أن نجاح المهمة مسؤولية الطرفين، وليست على عاتق الموظف وحده. فلا يجب أن يشعر الموظف بأن تنفيذ المهمة هو ما يهم وأنه مجرد أداة لتنفيذها، بل يجب على المدير أن يعزّز شعور الموظف بأهمية وجوده في الشركة وأنه من دعامات نجاحها عبر التواصل الفعّال.
أخيرًا، يمكن القول أن مهارة التفويض هي أحد المهام السهلة الصعبة بالنسبة للمديرين، وأنها تحتاج إلى وعي مستمر من المدير بضرورة تطوير أساليب وآليات تفويض المهام من أجل سد الفجوة بينه وبين موظفيه والتمكن من تعزيز الموظف وتطوير الشركة في آن واحد.
تم النشر في: يناير 2021
تحت تصنيف: أصحاب الشركات | مهارات قيادية