كيف تتغلب على مقاومة التغيير في شركتك؟

الأعمال مجال دائم التغير، ولا سيما مع الوتيرة المتسارعة في ريادة الأعمال والمشاريع الناشئة. لذا يجب الحرص على تطوير مؤسستك أيضًا. ذلك لأن عدم مواكبة التغييرات التي تحيط بك سيؤدي في النهاية إلى فشل مشروعك. لذا، إليك كيف تدير المرحلة الانتقالية بحكمة وتحقق أهدافك التغييرية.

جدول المحتويات:

ما دلالة مقاومة التغيير؟

تطلق مقاومة التغيير على جميع ما يأخذ شكلًا من أشكال المعارضة والرفض للتعديلات والتغييرات الراهنة في الشركات والمؤسسات. يمكن أن تظهر في صورة مقاومة فردية، أو على نطاق واسع من الموظفين. وكلما كانت ثقافة الشركة بعيدة عن اتباع نهج مواكبة التغيرات والتطورات المحيطة، كانت المقاومة أشد والتعامل معها يحتاج لوقت أطول.

لماذا يقاوم الموظفون التغيير؟

لم تعد مسألة التغيير أمرًا من قبيل الرَفَاهيَة، ولكنه أساسي لمواكبة التغيير المؤسسي، حيث يجب أن يتم الأمر بطريقة مناسبة، تتسم بفهم واعي لطبيعة هذه العملية. ومن أهم الأسئلة التي يجب أن يطرحها المسؤولين التنفيذيين في الشركات هي: لماذا يمكن أن يقاوم الموظفين التغيير، وما هي دوافعهم الخفية لذلك؟ نستعرض أهم هذه الأسباب:

1. عدم الثقة في متخذي القرار

حدوث التغيير الهادف لا يمكن أن يتحقق في بيئة تسودها عدم الثقة، ذلك لأن مقاومة العاملين ستكون حاجزًا يحول بينك وبين تحقيق النتائج التي تطمح لها. حسب رأي المؤلف ومستشار التغيير “ريك مورير” فإن أسباب مقاومة التغيير تقوم على ثلاث محاور:

  1. لا أفهم الأمر: يجد الموظف عادةً صعوبة في تقبُّل ما لا يستطيع تصوره وفهمه، لذا تأتي المقاومة والرفض كردود فعل تلقائية. ولتجاوز تلك العقبة عليك مشاركة التفاصيل المتاحة مع موظفيك، ما يسمح لهم برؤية ضرورة التغيير.
  2. لا أحبه: تأتي ردود فعل الموظفين العاطفية كالإحباط والخوف من التغيير عائقًا أمام تنفيذ ما تريد، لذا من المهم أن تُحسن إدارة هذه المشاعر والتعامل معها، وتوجيهها لمسارها الصحيح، حتى تتحول لطاقة دافعة للتقدم وليس العكس.
  3. لا أحبك: عليك أن تكون واثقًا من ضرورة ما تتطلع إليه من تغييرات، ذلك لأن إقناع الآخرين الذين يقاومون عملية التغيير سيصبح أيسر وأكثر تقبلًا.

كما يمكنك التعامل مع حالات عدم الثقة بوسائل متعددة، منها أن تختار قائد قريب من الموظفين يستطيع التعامل مع دوافعهم الخفية التي تجعلهم يقاومون التغيير، لأن اختيار نموذج تتوفر فيه مقومات القدوة، يساعدك على تقديم الدعم والتوجيه المناسبين لإدارة عملية التغيير بنجاح.

2. الخوف من الفشل

لن يدعم الموظفون التغيير إذا كانوا غير واثقين من قدرتهم على التعامل معه، لذا يتعاملون مع خوفهم بمقاومة ورفض لهذا التغيير. يمكنك التعامل مع هذا الخوف بتطبيق نموذج أدكار (ADKAR Model) الذي يساعد المؤسسات وكذلك الموظفين على إدارة التغيير.

يُذكر أن هذا النموذج تطور منذ عقدين تقريبًا بواسطة “جيف هيات” مؤسس شركة روساي (Prosci) بعدما أجرى بحوث عن أنماط التغيير لأكثر من 700 شركة. يرتكز نموذج أدكار للإدارة التغيير على محورين يعالجان الخوف من الفشل:

  • المعرفة

تتلخص في توفير التأهيل المناسب بواسطة إمدادهم بالأدوات التي يحتاجون إليها في المرحلة الانتقالية. مثلًا: إذا كانت شركتك تسعى إلى التحول الرقمي وتحتاج لنقل بيانات العملاء والمعلومات الحالية وفقًا للنظام الجديد، يجب عليك هنا مساعدتهم على معرفة كيفية تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذا النظام في المستقبل.

  • القدرة

بعد اكتساب المعرفة تحتاج للعمل على تمكينهم منها، ذلك من خلال ممارسة المهارات الجديدة، ما يُكسبهم الخبرات العملية اللازمة ويشعرهم بالراحة عند التطبيق الفعلي للتغيير.

3. الاتصال غير الفعال

كلمة السر لتنجب مقاومة التغيير هي تحقيق اتصال فعال، لذا يمكنك البَدْء بإجراء خطة تواصل مع الموظفين والمسؤولين عن هذه العملية. على سبيل المثال: تستطيع الإعلان عن خطة التغيير وأسبابها، عقد مناقشات مع مجموعات صغيرة العدد، واجتماعات فردية مع قادة الفرق والأقسام.

كما يمكنك الاستعانة بنموذج كوتر الشهير، حيث أسس “جون كوتر” أستاذ القيادة وإدارة التغيير في كلية هارفرد للأعمال، في كتابه Leading Change نظرية إدارة التغيير، التي ارتكزت على 8 محاور:

نموذج كوتر لقيادة التغيير

مع الحرص على أخذ ملاحظات بشكل مستمر من الموظفين واختيار آلية مناسبة للتعامل معها والاستفادة منها، وخاصةً في المؤسسات والشركات الصغيرة والناشئة، لأن هذه الملاحظات والتعليقات تكون حاسمة ودقيقة.

4. الخطط غير الواقعية

من المهم أخذ الأمور تدريجيًا، ما يمكّنك من تحقيق التوازن بين ضرورة تغيير الوضع القائم، وبين توفير وقت مناسب لإطلاق هذا التغيير. يمكنك تحقيق التوازن المنشود بتقسيم الأهداف الكبيرة لخطوات ومراحل بسيطة تُشعرك بالإنجاز، وإمكانية قياس التقدم وتعديل المسار إذا لزم الأمر.

أيضًا يساعدك وضع جدول زمني مرن على التعامل مع أي تعديلات تحتاجها. مثلًا: في حال اقتضت الضرورة لمزيد من التدريب والتأهيل لفريقك حتى يكون مناسبًا للمبادرة التي ترغب بإطلاقها. حينها لن تكون هناك مشكلة لأنك بالفعل وضعت في جدولك الزمني ما يسمح باستيعاب مثل هذه الأمور الطارئة.

من المفيد دائمًا أن تتعامل مع أي تغيير تريد القيام به على أنه يتكون من محورين أساسيين:

  • التغيير الاجتماعي: الذي يتمثل في بناء ارتباطات عاطفية وتشاركية تعين على الاستجابة لمتطلبات التغيير، وتكوين علاقات راسخة في بيئة العمل.
  • التغيير الفني: ويتمثل ذلك في التأكد من جدوى التغيير بواسطة التجارِب والتعديلات المادية القابلة لقياس الأثر والتطوير، ذلك من أجل الحصول على النتائج المأمولة.

تأثير التغيير المؤسسي على الموظفين

التغيير المؤسسي يمكن أن يحدث لأسبابٍ كثيرة منها: الخطط التوسعية، والاندماج، والاستحواذ، والمخاوف المالية… إلخ. أينما وجدت محاولات تغيير، يصاحبها مقاومة من المعنيين بالأمر سواء موظفين أو غيرهم، لا سيما أن الأمر استجابة بشرية، حيث يسعى من يعق على عاتقهم مسؤولية تنفيذ عملية التغيير إلى جعل الأمور تأخذ طابع شخصي، خاصةً تلك التي لا تتوفر لديهم حولها رؤية واضحة.

لذا تحتاج أن تكون أكثر استيعابًا لردود أفعالهم المعاكسة لِمَا تريد، وأكثر قدرة على تفهُّم مخاوفهم ومشاعرهم، وسرعة الاستجابة لها والتعامل معها. إليك أبرز التأثيرات التي يُسببها التغيير المؤسسي على موظفيك:

1. الإجهاد الذهني

حسب دراسة أجرتها الجمعية الأمريكية لعلم النفس، فإن 55% من الموظفين الذين تعرضوا لتغيير تنظيمي شعروا بضغط مزمن مقارنةً بـ 22% ممن لم يخوضوا تلك التجربة. حيث تعرض أغلبهم لإجهاد في العمل نتيجة تلك الضغوط. لذا، من الضروري أن تتواصل الإدارة أو الجهات المعنية مع الموظفين في الوقت المناسب، ويتعاملون مع تخوفاتهم بطرق منطقية ومقنعة.

2. انخفاض معدل الولاء للشركة أو المؤسسة

أول ما يتبادر لذهن الرؤساء التنفيذيين عند أي منعطف، أن يقللوا الرواتب والامتيازات التي توفرها الشركة للموظفين، ما ينتج عنه اتجاه كثير منهم للبحث عن فرص أفضل وترك العمل. حتى الذين يستمرون، تتأثر معدلات ولائهم وتصبح منخفضة، ما يؤثر سلبًا على دوافعهم وأدائهم الوظيفي.

وأفضل وسيلة للتغلب على الأمر، تكمن في التواصل مع الموظفين وبذل محاولات جادة وحقيقية لرفع معنوياتهم، واعتماد هذه الممارسة في كل مرحلة من مراحل الفترة الانتقالية.

3. ارتفاع نسب التغيب عن العمل والتأخير

في تلك الظروف ينقسم الموظفون إلى قسمين: أولهما، يبذل أقصى جهده للتألق أملًا في الحفاظ على مكانته في الشركة، وعدم التعرض للإقصاء من العمل أو خسارة شيء من امتيازاته. ثانيهما، يستمر في أخذ إجازات أكثر هروبًا من العمل، رغبةً في تقليص حجم التأثير السلبي الذي يتعرض له نتيجة الظروف القائمة.

كيفية التعامل مع مقاومة التغيير

مبدأيًا عليك إدراك حقيقة أن مقاومة التغيير في حد ذاتها ليست مشكلة، ولكن ما تُنبأ به تلك الممارسة من عدم وجود مرونة كافية لدى الموظفين، وصعوبة مواكبة التغيرات السريعة التي يتميز بها عالم الأعمال هو جوهر المشكلة، ما ينتج عنه عواقب وخيمة، فقد أظهرت البحوث أن 70% من فشل التغيير في المؤسسات كان نتيجة مقاومة التغيير. فكيف يمكنك إذًا التعامل مع الأمر؟

1. توجيه دفة الاجتماعات

يساعد توجيه جهود الرؤساء التنفيذيين نحو مناقشة كل ما يتعلق بأمور التطوير والتغيير المتعلقة بالشركة إلى تقليل حجم الرفض والمقاومة لدى الموظفين، ما يجعل هذا التوجه فرصة مناسبة بدلًا من الاستغراق في طرح التزامات ومهام العمل الروتينية.

2. خلق رابط وثيق الصلة بين ما يهم موظفيك والقضايا الشائعة

يمكن للأمر أن ينجح إذا تمكّنت من خلق رابط بين ما يهم الآخرين من قضايا وأمور تشغل أذهانهم وبين التغيير الذي يُتطلع لتحقيقه. على سبيل المثال: الأمان الوظيفي، يمكنك إجراء تغيير بسيط لاستبداله أو التعديل عليه، بالتزامن مع ظهور متطلبات جديدة تجذب انتباههم.

3. تفهم مشاعرهم

القدرة على تفهم مشاعر الموظفين، يجعلك أكثر قربًا منهم ومعرفةً لأسباب تخوفهم من المبادرات الجديدة. من هذا المنطلق، يمكن طرح أسباب منطقية وموضوعية أكثر تأثرًا وإقناعًا للتغيير المنشود.

4. الاستعانة بمن يدعمون التغيير

حدد الموظفين الذين يدعمون التغيير، إذ يمكنك الاستعانة بهم للمشاركة في الحديث عن جدوى التغيير، وتوسيع دائرة الأشخاص المتقبلين لتطلعاتك ومبادرتك المستقبلية، فهؤلاء في نهاية الأمر يتحدثون لغة زملائهم نفسها، وأكثر وعيًا بما يشغل أذهانهم من تخوفات تجاه التغيير.

5. الاستماع لهم بعناية

فتح محادثة فعالة بينك وبين الموظفين، ومعرفة ما يدور بداخلهم من أفكار، ثم البَدْء بمعالجة هذه الأفكار بواسطة بناء جسر من الثقة بينكم، من خلال إعطاء أكبر قدر من المعلومات والتفاصيل حول التغيير المنشود، والجوانب الذي يشملها التغيير، كل ذلك يجعلهم أقل توترًا.

شارك معهم التفاصيل المتاحة واطرح نقاش حول التفاصيل التي لم يُحسم أمرها بعد، ليشعروا أنهم جزء من القرار، ما يجعلهم أكثر استجابة لأي قرار يُطرح في نهاية الأمر.

6. التأهيل المناسب

أحد أكبر العوائق عند طرح مسألة التغيير حول أمر معين، أن الموظفين يباشرون تقديم أعذار ومبررات عدم استعدادهم الكافي للتعامل مع هذه التغييرات. لذا، من المهم المبادرة بتقديم الدورات التدريبية والموارد اللازمة لمساعدتهم على التكيف مع مستجدات الأمور. مع الوضع في الحسبان، أن هذا كله لن يجعلهم يتوقفون عن مقاومة التغيير تمامًا، ولكن بذل الموارد المتاحة وتوفير سبل التأهيل لتسهيل مواكبة التغيير، يُشعرهم بالأمل والتشجيع، بالتالي يكونوا أكثر استعدادًا عند إجراء التغييرات.

7. العناية بعنصر التوقيت

التوقيت يكاد يكون كل شيء، فهو أمر بالغ الأهمية عندما نتحدث عن التغيير. لا تفكر حتى في إحداث تغيير دفعة واحدة، ففي الغالب سيلقى الأمر مقاومة كبيرة من موظفيك. ولكن بدلًا من ذلك، تستطيع البَدْء تدريجيًا كلما أُتيحت الفرصة لذلك، ما يُحدِث قدر أقل من المقاومة والتأثر السلبي على الإنتاجية، ويمنحهم فرصة أكبر للتأقلم. بل وفي بعض الأوقات، تتفادى الانقطاع التام عن العمل.

ختامًا

لا تنكر حقيقة أن التغيير صعب، وأنك قد تجد أكثر موظفوك ولاءً وحرصًا على مصلحة العمل يقاومون، ولا سيما إن صاحب ذلك عدم طرح كامل لتفاصيل الرؤية الجديدة وأبعادها.

لكن تستطيع التعامل مع كل هذا بتوفير الدعم والإمكانات اللازمة لعملية تغيير ناجحة وآمنة، ولا يتحقق ذلك إلا إذا استطعت توضيح مسألة أن التغييرات المستقبلية ستكون مربحة للجميع، وأن الوضع الراهن أقل جاذبية وفائدةً لهم على جميع المستويات مقارنةً بما يُتطلع إليه من خطط مستقبلية.

بذلك تكون خلقت دافعًا ذاتيًا للموظفين للانطلاق نحو التغييرات بأعلى إنتاجية وكفاءة متوفرة لديهم. ولا تنس أن كثير من الاستراتيجيات والممارسات اللازم تنفيذها قد تبدو بسيطة، ولكنها تحمل بين طياتها عظيم الأثر في جعل الموظفين أكثر مرونة وتكيفًا مع المغييرات.

تم النشر في: مهارات قيادية