الثقافة التنظيمية: كيف تبني قيم شركتك؟

يحتاج تأسيس أية شركة إلى توظيف الأفراد وإدارة المال وهي عناصر مادية يسهل تنظيمها، ولكن هناك الثقافة التنظيمية للشركة التي تمثل عناصر معنوية، تظهر في شكل أفعال وممارسات قد تؤدي إلى نجاح الشركة أو فشلها. فما هي الثقافة التنظيمية؟ وكيفية بناؤها في شركتك؟

ما هي الثقافة التنظيمية Organizational Culture؟

تُعد جزء لا يتجزأ من أي مكان عمل، فهي تشمل القيم والسلوكيات والأهداف والرؤية المشتركة والمُحرمات التي تكوِّن بيئة العمل وتخلق روح الشركة، وهي أحد الأسباب الرئيسية لنجاح أو فشل الشركة. ثم أنها تنعكس في النهاية على قرارات الشركة الداخلية وتفاعلاتها مع سوقها المستهدف.

أهمية الثقافة التنظيمية

تؤثر تأثيرًا جوهريًا في معدل دوران الموظفين داخل الشركة، فوفقًا لاستطلاع أجراه برنامج ماجستير إدارة الأعمال بجامعة بولاية واشنطن، فإن طلاب الجامعات سيقبلون الالتحاق في وظائف براتب أقل من الراتب التقليدي بنسبة 7%، إذا كانت الشركة تؤمن بالمبادئ ذاتها التي يؤمنون بها.

وفي دراسة أخرى أعدتها جامعة كولومبيا، تقل نسبة الدوران في الثقافات التنظيمية القوية إلى 13.9% وترتفع في الثقافات الضعيفة إلى 48.4%، يحدث ذلك سواء كان الموظف يعمل بالمقر أو عن بُعد.

من ناحية أخرى ورغم أن الثقافة التنظيمية قد تظهر كعنصر داخلي، لا يستطيع الإلمام به إلا من يكون داخل ذلك الكيان، ولكن في الواقع هي تنتقل إلى الخارج أيضًا، حيث يتأثر بها العميل عبر التسويق الجيد، يمكنك تصدير ثقافة شركتك بواسطة قصة ملهمة تجعل العملاء يرتبطون أسرع مع المنتج الذي تقدمه.

فكل خطوة للعميل قبل وأثناء وبعد عملية الشراء، هي تجرِبة تثبت الشركة من خلالها مدى تطبيقها للمبادئ التي تؤمن بها ونجاح الثقافة التي تديرها، لذلك قد يبدأ البعض بناء الثقافة التنظيمية من القمة حيث يوجد المستخدم النهائي End User، ثم يعودون إلى الخطوات التي تسبق القمة ليصلوا في النهاية إلى أساس الثقافة التنظيمية التي يريدنها.

ما هي مكونات الثقافة التنظيمية؟

هل تَصوُر صاحب العمل عن هذه الثقافة يتضمن ألعاب ترفيهية لكسر الرتابة وجعل الموظفين أكثر سعادة؟ أم يتكون تَصوُره من خلق بيئة تشبه الفصل الدراسي في هدوئه وانضباطه؟ هل تهدف لخلق بيئة بها مزيدًا من الود أم تبني حدودًا صارمة بين الزملاء؟ مكونات الثقافة التنظيمية هي ما تحكم ذلك.

1. الرؤية المشتركة

تستهلك عملية بناء الثقافة التنظيمية الكثير من الوقت والجهد لتصبح ثابتة الأركان، ولكنها تبدأ بوضع رؤية وهدف واضح للشركة الناشئة. بواسطة هذه الرؤية ستتمكن الشركة من تحديد الاتجاه الذي ستسلكه للوصول إلى الوجهة المنشودة.

إذا غابت الرؤية سيصعب على الموظفين العمل معًا، فهم لا يرون الهدف المقصود من كل ذلك، ثم أن وجود الرؤية يساعد على استكمال العمل ودفع مزيدًا من الطاقات في حالات الركود والأزمات.

ينبغي لك إثارة سؤال هام: هل يفهم جميع الموظفين رؤية الشركة والخطوات المطلوبة من كلٍ منهم لإنجاز جزء من المهمة الكبرى؟ لذلك يعد الوضوح الصفة الأساسية التي ترتبط بنشوء الشركة، لأنها ما ينطلق منها العمل إلى المرحلة التالية.

2. القيم والسلوكيات

هي المبادئ الأخلاقية والاجتماعية التي تؤمن بها الشركة، وتعمل على تطبيقها بواسطة مجموعة من الفعاليات والأنشطة التي تعدّ البَذْرَة أو الفعل الذي تقوم به الشركة ليتحول إلى رد فعل أو سلوكيات سائدة بين أفراد العمل، وبذلك ترجمت الشركة القيم في النهاية إلى سلوكيات تسير في الاتجاه الصحيح الذي يستهدف الثقافة التنظيمية المطلوبة.

3. التقاليد

هي مرحلة متقدمة، حيث تتحول جميع السلوكيات من الفردية إلى الجماعية، فبدلًا من أن يستوعب الثقافة التنظيمية عدة أشخاص يمثلون نسبة من الموظفين، تتحول درجة الاستيعاب إلى نسبة تتخطى الـ 90% من الموظفين، فيجد صاحب العمل أن جميع موظفين على درجة عالية من الإلمام بالثقافة التنظيمية، وتتحول السلوكيات الفردية إلى تقاليد ثابتة في مجتمع الشركة الصغير.

قسم الموارد البشرية من أهم الأقسام التي تدعم الثقافة التنظيمية، حيث يوظف أفراد تتوافق مهاراتهم وسلوكياتهم مع تقاليد الشركة ومبادئها، وذلك بعد فهم موظفي الموارد البشرية لتلك التقاليد بتكرار عملية التوظيف للأفراد، وفصل الموظفين الذين أظهروا قدر غير كافٍ من الكفاءة. توفر التقاليد تجرِبة خاصة للموظف في بيئة شركته لتكون جزء من هُوِيَّة الشركة، والتقاليد هي التي ترسم الخطوط الفعلية الرئيسية التي تسير عليها الشركة بواسطة رؤيتها باتجاه هدفها.

4. الأدوات

هي تلك الأدوات التي تدعم الثقافة التنظيمية وجميع عناصرها، قد تكون السياسات والممارسات التنظيمية داخل الشركة أداة هامة، ولكن التقنية الحديثة هي الأهم في الوقت الحالي، فهي التطبيق العملي لما تؤمن به الشركة.

مثلًا، تلعب أنظمة التسجيل السحابي دورًا بارزًا في خلق مرجع وسجل لكل مهمة أو خطوة تنفذ، وتعمل على دعم الرؤى والمهام وغيرها من عناصر الثقافة التنظيمية، فيمكنك معرفة كيف تصرفت الشركة مع أخطائها وزلاتها، والممارسات الإدارية التي أثبتت فشلها والأخرى التي حققت إنجازات، وبذلك تكون طريقة التعامل جزء من الثقافة التنظيمية.

4 أنواع أساسية للثقافة التنظيمية

قد تؤمن الشركة بالاستقلالية وأهمية وضع الفرد لبصمته الخاصة التي تمثل شخصيته المستقلة في كل مهمة ينفذها، فهو الذي ينظم مهمته ووقته بناءً على الوجهة المستهدفة للشركة، إذًا تلك هي ثقافة تنظيمية خاصة بالشركة، ولكن توجد بالطبع ثقافات تنظيمية أخرى. وفقًا لدراسة أجراها “روبرت كوين” و”كيم كاميرون” أستاذي إدارة الأعمال بجامعة ميشيغان، توجد أربع أنواع تشمل الثقافة التنظيمية، وهي الذي تغلب معظم الشركات في مختلف المجالات، هي:

النوع الأول: الثقافة القبلية Clan Culture

هي الثقافة التي يغلب عليها الطابع العائلي، حيث يحترم الأفراد بعضهم البعض، وينظرون إلى القادة والمدراء كقادة روحيين لتلك العائلة. تركز كأي عائلة على احترام التقاليد والإخلاص لها والمحافظة على التقاليد الموروثة، دون النظر إلى مدى مناسبتها لروح العصر أو إن كان يشوبها بعض الخطأ.

كما ترفع تلك الشركات من مكانة قسم الموارد البشرية ليكون الأعلى بين الأقسام المختلفة، حيث يعتمد القسم استراتيجيات طويلة المدى، لخلق روح الفريق المطلوبة لتطبيق الثقافة التنظيمية السائدة.

النوع الثاني: ثقافة الأدهوقراطية Adhocracy Culture

هي ثقافة تنظيمية تعتمد على البحث عن الجديد وخلق أفكار مختلفة تناسب احتياجات العصر، فتوظف الشركة أفرادًا مبدعين قادرين على حل المشكلات وصناعة البدائل. يسود هذا النوع المؤسسات الصناعية والشركات ذات الطابع التقني.

النوع الثالث: الثقافة السوقية Market Culture

تؤمن بخلق الروح التنافسية بين أفراد العمل في القسم الواحد وكذلك القادة في الأقسام المختلفة، لأنها ترى أن التنافس يولد الإبداع ويجعل الشركة تحصل على نتائج أعلى وأفضل من المتوقع. فيكون قياس الجهد المبذول والإنتاجية مبنيًا على أساس أرباح الشركة والنسبة المقدرة التي تمثلها تلك الأرباح من السوق كاملًا.

تُعد الثقافة السوقية الأكثر عملية بين كل الثقافات، فيغلبها الأرقام والتحليلات والإحصائيات ومؤشرات قياس الأداء KPIs، وغيرها من المؤشرات التي تسجل مدى اقتراب الشركة من أهدافها.

النوع الرابع: الثقافة الهرمية Hierarchy Culture

النظام الهرمي الذي يكوِّن هيكل الشركة هو أساس تلك الثقافة، حيث يصدر المدير قرارات يحولها النائب إلى مهام متعددة يوزعها على الأقسام، ويتولى قيادة قائد كل فريق مهمة تقسيم المهام إلى مهام أصغر يكلف بها أفراد فريقه.

إذ تبحث عن تنفيذ المهام وتطبيق الأساليب بطريقة سليمة منعًا لحدوث أي خلل بالنظام، عند حدوث مشكلات تلجأ الشركة إلى أسلوب محدد لحلها لا تحيد عنه، وبذلك تؤسس نظام بيروقراطي بحت قد يقلل من إسهام الإبداع وخلق في الشركة.

ما هي درجات الثقافة التنظيمية؟

أعد “إدغر شين Edgar Schein” الأستاذ السابق بكلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، نموذجًا تفصيليًا لمستويات الثقافة التنظيمية الثلاثة، وذلك النموذج مبني على الملاحظة والمتابعة، وسماها بالمستويات ليعبّر عن مدى وضوح البُعد الثقافي للرائي، هل ذلك البعد محسوس وواضح للعلن أم ضمني غير مرئي، أم ما بين الحالتين؟

1. المصنوعات الثقافية

المصنوعات هي عناصر ملموسة تمثل الثقافة التنظيمية، تكون ظاهرة للعيان دون الحاجة إلى توضيح أو إثبات، وتشمل صفات المقر الرئيسي للشركة، من حيث المكاتب وتنظيمها وموقع المقر، والأنشطة والفعاليات التي تهتم وتشارك بها الشركة، والزي الرسمي وغيرها من الصفات.

2. القيم المتبناة

هي القيم والأهداف التي تعلنها الشركة لتكون جزء من صورتها بسوق العمل، والمرجع الذي تعود إليه في تفاعلاتها مع موظفيها. لذلك هي تشمل شعار الشركة التي يمثلها ونص المهمة التي تحمله الشركة على عاتقها، وكذلك نص رؤية الشركة، كما تعدّ القيم المتبناة الأساس الذي يُلهم الموظفين في عملهم.

3. الافتراضات الأساسية

هي الجوهر الأساسي للثقافة التنظيمية، الذي قد تضحي الشركة بكل ما تملك للحفاظ على تلك القيمة. كلا المستويين: القيم المتبناة والافتراضات الأساسية، قيم تؤمن بها الشركة، ولكن الفرق أن الأولى تعلنها الشركة لتكون القشرة الخارجية لها، والأخرى هي الجوهر الصلب الذي لا يمكن تبديله أو تغييره لأنه جزء من الكيان.

3 نصائح لتعزيز الثقافة التنظيمية بشركتك

هناك ثلاث نصائح يمكن تطبيقها لتحسينها وتطويرها باستمرار، وتصلح تلك النصائح مع الثقافات التي تهتم بالفرد كجزء من الشركة وتعمل على انسجامه مع بيئة العمل بصورة أكبر، وهي كالتالي:

أولًا: التعاون المستمر مع قسم الموارد البشرية

تُعدّ مهارة التواصل مع القسم موارد البشرية مهارة هامة لتطبيق الثقافة التنظيمية المناسبة التي تتماشى في سياق واحد مع أهداف الشركة، لأنه هو القسم الذي يوظف الأفراد المناسبين من الناحية الفنية والمهارات، وأيضًا من ناحية قابليتهم للثقافة التنظيمية السائدة بالشركة.

ومع مرور الوقت يتابع هؤلاء الأفراد من ناحية الإنتاجية، وطريقة تعاملهم مع الثقافة التنظيمية، ثم يحلل الموقف من عدة نواحي: ما أثرها على الإنتاجية؟ وما النِّقَاط التي تحتاج إلى تطوير لتجعل العمل أكثر إنتاجية؟ وما العناصر التي يمكن إضافتها إلىها؟

ثانيًا: خلق توازن عملي بين الحياة والعمل

واجهت أغلب الشركات الحظر في وقت انتشار جائحة كورونا Covid-19، ورغم وجود العمل عن بعد كنظام قائم تعتمده الشركات منذ سنوات، إلا أن الأمر دفع الشركات إلى توجيه المزيد من الاهتمام نحو تحسين بيئة العمل عن بعد. في الوقت نفسه، زاد اهتمام الأفراد اتجاه حياتهم الشخصية والاجتماعية، وصار التعامل مع أفراد الأسرة أكثر قربًا نتيجة البقاء في المنزل أغلب الوقت.

هذا يجعل الموظفين بحاجة إلى التوازن بين عملهم وحياتهم الشخصية ليكونوا أكثر استقرارًا نفسيًا، لذا خلق توازن صحي للموظفين بين العمل وحياتهم الشخصية بحيث يكون جزءًا من الثقافة التنظيمية للشركة، هو أمر غاية في الأهمية ويصب في صالح الشركة في نهاية المطاف.

ثالثًا: جمع المزيد من الآراء بانتظام

وفقًا للاستطلاع الذي تحدثنا عنه سابقًا، فإن الموظفين السعداء بالثقافة التنظيمية للشركة هم أكثر إنتاجية بنسبة 31% من غيرهم، لذلك يجب أن تتساءل: كيف يرى الموظفون الثقافة التنظيمية السائدة؟ يهدف طرح هذا السؤال إلى خلق بيئة أكثر تطورًا تخدم جميع الموظفين وتساعدهم على العمل، فالاستماع إلى المزيد من المقترحات لتغيير بعض العناصر قد يساعد.

خلق ثقافة تنظيمية أمر يستهلك كثيرًا من الوقت والجهد، وهو عملية طويلة الأمد تحتاج إلى الصبر لتصبح في النهاية أحد عناصر هيكل الشركة التي تجعلها ثابتة الأركان، وعليك اختيار النوع المناسب لشركتك ليكون عاملًا للنجاح لا الفشل.

تم النشر في: نصائح لأصحاب الشركات