لا يختلف اثنان على أهمية العمل داخل أي مؤسسة بروح الفريقِ الواحدِ الذي يسوده التفاهم والتعاون نحو تحقيق أهدافِ المؤسسة والحفاظ على مصالحها. لكن ماذا إن دبّ الشقاق داخل هذا الفريق؟ وبات الصراع بين فريق العمل يهدد مصالح المؤسسة ككل؟ كيف تلتزم الاحترافية عند إدارة الصراع؟
أهم أسباب الصراع بين فريق العمل
عند إدارة الصراع يتعين على المسؤولين الذين يتحلون بمهارات حل المشكلات والاتصال الفعال والتفاوض الجيد، التدخل من أجل فضّ النزاعات، واستعادة التركيز على الأهداف العامة للشركة، وذلك بمناقشة أسباب هذا الصراع والتعامل معها بأسلوب يتميز بالعقلانية والتوازن والفعالية. لكن أولاً، من أين ينشأ الصراع؟
الصراع لأسباب شخصية
اختلاف أسلوب وطريقة العمل بين أعضاء الفريق الواحد قد يؤدي إلى حدوث بعض الاشتباكات اليومية، التي يؤدي تفاقمها إلى حدوث الخلاف والصراع بين فريق العمل. يَنتُج الصراع كذلك عندما تتداخل أعمال الموظفين، من جهة اعتماد إنجاز عمل أحدهم على إتمام الآخر لعمله أو تعاونه. كما يحدث الصراع أيضا على موارد الشركة وكيفية استخدامها، ولو كانت أشياء بسيطة مثل: الأدوات المكتبية أو أسبقية حجز قاعة الاجتماعات، وصولاً إلى الصراع على موارد الموظف ذاته من وقته أو التزامه بالمجيء في الوقت المحدد للعمل، وغيرها.
التمييز بمختلف أنواعه
يقول %96 من المتخصصين في الموارد البشرية أن العلاقات الخاصة في مكان العمل يمكن أن تسبب الصراع. إذ تتسبب هذه العلاقات في المعاملة التفضيلية والتمييز، الأمر الذي يؤدي إلى الاستياء والقيل والقال وقد تصل نهاية هذا الشكل من الصراع لاتخاذ بعض أنواع الإجراءات القانونية.
يحدث التمييز في مكان العمل كذلك بسبب الاختلافات في الجنس أو العمر أو العرق أو الخلفية الدينية أو حتى الاختلافات في القيم الشخصية. هذا لا يخلق الصراع والمشاكل في مكان العمل فقط، لكن قد يضطر بعض الموظفين لمغادرة أماكنهم والتنقل بين الإدارات أو الشركات، أو ترك العمل كليا، كما قد يصل بالشركة في بعض الأحيان إلى ساحات القضاء.
بيئة عمل تنافسية بشكل مفرط
هذا المناخ قد يقضي على روح التنافس الشريف والرغبة في إتقان العمل -التي هي في الأصل مشاعر مفيدة لصالح العمل- ويحولها إلى بيئة عداء تخرب علاقات الموظفين وتضر بأدائهم وتضر بالشركة نفسها. يضاف إلى ذلك التواصل الضعيف بين الموظفين أو الإدارات بعضها البعض. إذ يُعد من أكثر أسباب الصراع بين أعضاء فريق العمل شيوعًا، وقد يقف عائقًا أمام الأداء الجيّد ويؤدي إلى تضارب الأهداف، والإجهاد في مكان العمل، والسلوك العدواني السلبي، كما يكون سببًا لانتشار الشائعات بين أعضاء فريق العمل، أو ما هو أسوأ.
آثار الصراع على العمل
لعله من الطريف أن يكون لوجود الصراعات بين فريق العمل بعض الآثار الإيجابية، ما دامت تحت السيطرة وفي الإطار المناسب من حيث الأسباب والنتائج. من فوائد الصراعات داخل فريق العمل أنها تُظهر بعض المشاكل التي ربما لا ينتبه إليها المسؤولون، ولا شك أن تسليط الضوء على المشكلة خطوة هامة نحو التعامل معها ومعالجتها.
بعض الصراعات تبين الاختلافات كذلك في أسلوب القيادة وتنتخب الأفضل منها، وتحفّز روح الإبداع لدى أعضاء الفريق. وبمعالجتها ستتحسن وسائل الاتصال بين أعضاء الفريق بعضهم البعض وبين الإدارة. الأمر كله يتوقف على كيفية إدارة الصراع بين أفراد الفريق بعضهم البعض، وكيفية إدارة المسئولين للصراع بين أفراد فريق العمل.
إذا لم تنحصر الصراعات بين فريق العمل في الجانب الإيجابي لها، فسوف تطغى الجوانب السلبية لهذه الصراعات وتصبح هي الأقوى تأثيرًا. مما يؤدي إلى إجهاد الموظفين وضعف إنتاجيتهم وشعورهم بعدم الرضا والقلق والاكتئاب، وربما ينصرف تركيز البعض عن إتقان ما بين أيديهم من عمل إلى البحث عن عمل آخر، وقد يضطر البعض لترك العمل مباشرة، فيترك مكانه شاغرًا ويزداد ضغط العمل على الآخرين، على الأقل لحين إيجاد البديل.
إدارة الصراع بين فريق العمل
أفاد 60% من الموظفين أنهم لم يتلقوا أي دراسة أو تدريب حول كيفية إدارة الصراع، في المقابل فقد تمكن الموظفون الذين تلقوا مثل هذا النوع من التدريب من احتواء 95% من الصراعات في مجال العمل والتغلب عليها. باتباع الخطوات التالية يمكنك أنت أيضًا البدء بالسيطرة على الصراع بين أعضاء فريقك كما المحترفين.
1. الاعتراف بوجود الصراع داخل فريقك
أول وأهم خطوة يقوم بها المسؤولون في الإدارة هي الاعتراف بوجوده، وعدم تجاهله بدعوى أنه سوف يتلاشى بعدم الحديث عنه وعدم إعطائه أكبر من حجمه. الحقيقة أن تجاهل الصراع في بدايته كفيل بأن يزيد التوتر ومشاعر العداء، حتى تصبح جزءًا من العمل اليومي، فلابد من الإسراع في حل الصراعات بين فريق العمل قبل أن تنمو وتصبح قابلة للاشتعال في أي لحظة. وهذا لا يعني عدم إعطاء فرصة للأطراف المتصارعة لإيجاد حل فيما بينها، بل على العكس. ينبغي العمل على تحسين سُبل التواصل بين فريق العمل.
2. الوساطة بين الأطراف المتصارعة
تبدأ أولى محاولات الإصلاح الفعلي بالتوسط بين الأفراد شخصيًا، فإذا فشلت محاولات الإصلاح مع كل طرف على حدة، وضاعت الحقائق بين الروايات المتضاربة والادعاءات. فربما تكون دعوة كل الأطراف المتصارعة للاجتماع هو القرار الصحيح، من أجل المصارحة ووضع الحدود والالتزامات، بما يحفظ لكل طرف حقه ويحدد واجباته، ويوجه اهتمام الجميع نحو تحقيق الأهداف العامة للمنشأة. هنا سيكون لإدارة الموارد البشرية أيضا إذا وُجدت دورها الذي لا غنى عنه في مثل هذه المواقف.
إذا لم تنفع المحادثات الفردية، فكما سبق وذكرنا يجب أن تكون هناك جلسات صلح تجمع بين الأطراف المتصارعة، لكنها هذه المرة لن تقتصر على أطراف الصراع ومن يريدون الإصلاح وحسب، بل بجب أن يدير الاجتماع المدراء المعنيون. في البداية، يجب توفير الوقت والمكان المناسبين لإتاحة الفرصة لكل طرف ليقول كل ما لديه. مع أهمية إتاحة فرص متكافئة للجميع، وعدم السماح لأحد أطراف الصراع باحتكار الحديث أو السيطرة على المستمعين لينحازوا إليه، كما يجب ألا يسمح المسؤولون بأن يكونوا فريسة لذلك.
3. معالجة الصراع
النصيحة الجوهرية لكل من يريد إدارة مثل هذه الاجتماعات، هي التصرف بحكمة وعدم اندفاع مهما حدث أثناء المواجهة الجماعية من صراخٍ واتهامات. فالتسرع والانفعال، بل حتى التعاطف مع أحد الأطراف دون الآخر، هو آخر ما يحتاجه أطراف الصراع من الوسيط بينهم، إنما عليه التزام الهدوء والحيادية وعدم الانزلاق وراء كل دعوى والتركيز على الهدف الرئيسي للاجتماع.
يلي ذلك الإنصات الجيد لكل ما يقال وعدم مقاطعة المتحدث، والتركيز على فهم المعنى الذي أراد المتحدث إيصاله، والعمل على إعادة صياغة الجمل وفقًا لما فهمه المستمعون، وهنا يمكن استخدام عبارات مثل: دعني أتأكد أنني فهمت ما قلته: أنت غاضب من .. لأن .. كما يمكن توجيه أسئلة توضيحية.
4. التحلي بالمصداقية والاحترافية
قد تتعرض المحادثات أحيانًا للمقاطعة المستمرة، إذا كان أحد الأطراف يريد الاستئثار بالحديث دون الإنصات للأطراف الأخرى. سيكون عليك هنا بوصفك مسؤولاً عن إدارة الصراع أن تدعه يقول كل ما لديه، وأخذ شكواه على محمل الجد. فظهورك كشخص قادر على التعامل مع المشكلة، وإعطاء كل ذي حق حقه أدعى لهدوء نفسه وجدير بمنحك ثقته، بحيث يمكنك بعدها الاتفاق معه على حق الآخر في التعبير عن مشكلته أيضا دون مقاطعة.
ستتحقق الثقة بعد تهدئة النفوس والاعتذار الصادق، لأن الاعتذار باللسان فقط لن يزيد إلا مشاعر المرارة، وسيستمر الخلاف مؤثرا على حركة العمل وإنتاجيته. التزم بالكفاءة المهنية وتذكر دائما أن الوقت ليس مناسبًا لتوجيه اللوم وتصفية الحسابات، أو لإرجاع سبب الصراع لطبيعة أحد الأطراف الشخصية، بل لابد من التركيز على المشكلة الرئيسية، وهي أنك موجود هنا فقط لمساعدة جميع الأطراف على حد سواء.
بعد أن يعرض كل طرف مشاكله كافةً وتهدأ النفوس، يجب البحث عن أرضية مشتركة ونتائج إيجابية يتم الاتفاق عليها، فبدلا من تفنيد طريقة تفكير أحد الأطراف مرارا وتكرارا، ربما يكون الأفضل هو البحث عن مزايا فكرة الطرف الآخر وإمكانية تنفيذها، أو اقتراح فكرة جديدة أفضل، وذلك حتى تكون الجلسة مثمرة ومحققة لأهدافها.
إدارة الصراع داخل فريق العمل الواحد بمهارة لا يمكنها فقط إنقاذ المؤسسة من مشاكل كبرى، وإنما تخلق روحا جديدة بين الفريق واتصالاً ممتازًا بالمستقبل. ما نوع الصراعات التي تواجهها داخل شركتك، وكيف تديرها؟ شاركنا تجاربك في التعليقات.
الصورة الرئيسية من فريبك.
تم النشر في: أغسطس 2020
تحت تصنيف: أصحاب الشركات | مهارات قيادية