تحتاج الشركات إلى خفض التكاليف، حين يصبح التوازن المالي مهددا، أو حتى حين تقترب المؤسسة من تسجيل خسارة في النتيجة العامة في نهاية السنة.
بمعنى آخر، تجد الشركة خفض التكاليف، أسهل طريقة من أجل الحد من كثرة الإنفاق، والحفاظ على هامش الربح السنوي، خاصة إذا كان الميزان التجاري معتلا، أي أن التكاليف تجاوزت المداخيل المالية.
لسوء الحظ، فإن أغلب الشركات في وطننا العربي، تلجأ بالدرجة الأولى إلى رواتب ومنح الموظفين، بما أنها الوسيلة الأقرب إلى خفض التكاليف، عوض التفكير في طريقة أخرى.
سلبيات خفض رواتب الموظفين
خفض رواتب الموظفين يقود الشركة عموما إلى مشاكل أكبر، وعوض حل مشكل كثرة التكاليف، بطريقة سليمة، يتم حله بمشكل ثان، وهو إثارة غضب الموظفين والمساس بقوتهم اليومي.
في أغلب الأحيان، تفتح الشركات التي تخفض تكاليفها عن طريق تقليص رواتب الموظفين، بابا من المشاكل التي لا تنتهي إلا بخلق جو من انعدام الثقة في الداخل، وانهيار قيم العمل والتضامن، وكل هذه النتائج، تقود المؤسسات إلى الهلاك في سنوات قليلة.
إذا عانيت من كثرة التكاليف، التي تؤثر على الميزان التجاري، فعليك الاستثمار في الموظفين، وجعلهم في صفك أكثر من أي وقت مضى، لكي تشجعهم على الابتكار والإبداع، وتحقيق نتائج جيدة في السنة الموالية، بغية تعويض ما ضاع. لا يمكن أن تصل لهذه المرحلة، إذا بدأت بالتخلي عن موظفيك، بمجرد أن نتائجك المالية غير مرضية.
يعتبر جل الباحثين الاقتصاديين أن راتب الموظف، هو محفزه الأول والأكبر للعمل، وإذا تم تقليصه، فإنك تقضي على آماله ورغبته في العمل والإبداع، بل تفتح أمامه باب الاحتجاج والتعبير عن عدم الرضا والغضب، وهي أمور ليست جيدة بالنسبة للشركات عامة، ولتفادي ذلك، إليك أربع طرق لتخفيض التكاليف دون المساس برواتب الموظفين.
1. خفض المصاريف لربح أكبر
يعتبرها جل الخبراء الاقتصاديين مغامرة، لكنها فعالة في النهاية، وتجلب للشركات أرباحا أكبر.
من أهم الأمور التي تثير العملاء في الأسواق، هي خفض مصاريف منتوج ما. بل إنها طريقة يمكن بها إحداث زلزال لدى المنافسين، الذين يجدون أنفسهم مجبرين على اتباع فكرتك، وإلا فإنهم سيخسرون.
تصور لو خرجت في الصباح من منزلك، ورأيت إعلانا في الشارع يخبرك أن سيارات “ميرسديس” مثلا، قررت خفض مصاريفها ب 20% ! كيف ستكون ردة فعلك ؟ وكيف ستكون ردة فعل باقي شركات تصنيع السيارات ؟ ألن يحدث ذلك زلزالا في السوق ؟ إذا كنت لا تفكر في السابق في اقتناء سيارة “ميرسديس” لأنها باهظة الثمن، فإن خفض المصاريف سيجعلك تعيد النظر في تفكيرك. وإذا غير الكثير من الناس تفكيرهم مثلك، فستتمكن الشركة من جذب عملاء جدد، وبالتالي تحقيق أرباح جديدة وقياسية.
لفهم المعنى من هذه العملية جيدا، إليك هذا المثال. إذا كنت تبيع 10 وحدات من منتوجك ب 10 دولارات للوحدة، ستجني 100 دولار فقط. وإذا قررت خفض المصاريف إلى 8 دولارات للوحدة، فإنك ستبيع 20 وحدة، ليقفز مدخولك إلى 160 دولارا.
يسمي الخبراء الاقتصاديين هذه الخطة، ب”ضرب عدة عصافير بحجر واحد”، بمعنى، أنك يمكن أن تجلب عددا أكبر من العملاء، وترفع مداخيلك، وتقضي على عجزك التجاري، وتتفوق على منافسيك في رقم المعاملات، وتدفعهم إلى خفض مصاريف منتوجاتهم ليحافظوا على توازن مبيعاتهم.
يمكن أن يفهم البعض أن خفض المصاريف، يعني خفض الجودة، والجواب هو لا. يعلم أصحاب الشركات جيدا، أنهم بإمكانهم خفض المصاريف دون المساس بالجودة، خاصة في بعض المجالات.
2. وقف استقدام موظفين جدد مؤقتا
تعمل الشركات سنويا إلى توظيف عمال جدد، بغية تطوير الإنتاج وكل المرافق عامة، لكن في حالة إصابة الميزان التجاري بعجز، فمن الضروري وقف العملية مؤقتا.
وقف التوظيفات، لن يؤثر على الشركة في شيء، وهو حل جيد، عوض خفض رواتب الموظفين الملتزمين مع المؤسسة بعقود عمل دائمة، فيما سيقلص من تكاليف الدورات التكوينية والعقود الجديدة ودورات استقطاب موظفين جدد.
بخصوص التوقيت مقترح لهذا التوقيف، يمكن أن يقرره مجلس الإدارة، أو المسؤول عن الموارد البشرية، ومن المستحب ألا يتجاوز سنتين، لكي لا تتضرر صورة الشركة في الخارج، ولدى المنافسين.
توفير فرص شغل بين الفينة والأخرى، ضروري لتعزيز قدرات الشركة، وأيضا لصورتها في السوق بين العملاء والمنافسين، وبالتالي لا يمكن وقف التوظيفات أكثر من سنتين على الأكثر.
وينصح بعض الخبراء الاقتصاديين، ومن بينهم الأمريكي بول كروجمان، وقف التوظيفات سنة فقط، لتفادي انتشار الإشاعات حول الشركة، مما قد يؤثر على صورتها في السوق.
3. تأجيل مشاريع مبرمجة
نتحدث في هذه الفقرة، عن الشركات التي فكرت في مشاريع توسعة، أو إحداث وحدات إنتاجية جديدة في أسواق مختلفة، والتي من شأنها أن تزيد التكاليف.
كل شركة متوسطة أو كبيرة، تفكر ضمنيا في التوسع في الأسواق، لكن يمكن لانعدام التوازن في الميزان التجاري، أن يوقف هذه العملية مؤقتا، إلى حين إيجاد التوازن المفقود.
من قواعد التوسع الاقتصادية، هي أنه لا يمكن أن تستثمر في أسواق جديدة وفي إنشاء محلات تجارية إضافية أو بناء وحدات تسويقية جديدة، دون أن تتوفر ميزانيتك على فائض مالي جيد، يمكنك من التحرك دون الوقوع في مشكل التمويل. غياب فائض مالي سنوي، يوقف تلقائيا المشاريع الجديدة والاستثمارية، لكن هناك بعض الشركات، تفضل الإبقاء عليها، مقابل البحث عن أموال بطرق أخرى، منها خفض رواتب الموظفين مثلا. لهؤلاء الأشخاص، نقول، لا توجد شركة كبيرة دون موظفين راضين ويعملون في هدوء وعلاقة جيدة مع الإدارة، وحتى لو أخذت من جيوب الموظفين لتمويل مشاريع توسعة شركتك، فذلك مثل سكب الماء في الرمل، إذ أن مشاريعك ستتهاوى بعد سنوات فقط، لأنك لن تجد من يعمل فيها ومن يطورها.
لا مشكل في تأجيل الاستثمارات والمشاريع الخاصة بالشركة، لسنتين على أبعد تقدير، إلى حين تعافي الميزان التجاري.
4. ترشيد نفقات الإنتاج
تحتاج كل شركة لمادة خام (أولية) لكي تنتج، وتعتمد كلها على المخزون الاحتياطي، والذي لا يجب أن يتقلص، إلا في الظروف الصعبة والقاهرة.
اختلال الميزان التجاري، يدخل أيضا في خانة الظروف القاهرة، لكن لا يخول تجاوز حد 20 % على أبعد تقدير من المخزون الاحتياطي.
بمعنى آخر، يتيح اختلال الميزان التجاري، تقليص المخزون الاحتياطي من المادة الخام (الأولية)، بنسبة 20 % مؤقتا، أي أن شركتك يجب أن تلتزم بإعادة هذه النسبة مباشرة بعد عودة التوازن المالي للشركة، وألا يتجاوز ذلك سنة ونصف أو سنتين.
الاعتماد على مخزون المادة الأولية، سيمكن الشركة من خفض تكاليف اقتنائها من الأسواق، على الأقل لأشهر معدودة، وبالتالي سيجعل الميزان المالي والتجاري أكثر قوة، وسيمنحه فرصة استرجاع عافيته سريعا.
تذهب أغلب الشركات إلى القول، إن المساس بالمادة الخام، هو بداية الانهيار، لكن ذلك غير صحيح، بالنسبة إلى الشركات المتوسطة والكبيرة. أما بخصوص الشركات الصغرى، فلا أعتقد أن ذلك سيكون فكرة سديدة … وتلك قصة أخرى.
تخزين المادة الأولية من أولويات الشركة، وكأنها تخزن مواردها للأيام الصعبة، واستعمالها للتخفيف من أزمة مالية عابرة، متاح ولا يؤثر على المؤسسة.
تمر كل الشركات بمشاكل مالية، يمكن أن يتخل معها توازن الميزان التجاري، وأن تضعف الإيرادات، لكن لكل مشكل حل، شريطة ألا نكون أكثر قسارة في اتخاذ القرارات، وألا نختار الإجراءات السهلة، بغية الخروج سريعا من الأزمة.
اتباع الخطوات التي تحدثنا عنها، والتي أكدها خبراء عالميون في الاقتصاد، سيجعل الشركات تخرج من أزماتها العابرة بسرعة، مع الحفاظ على تماسكها الداخلي، وعلى قوة إنتاجها، وخصوصا، رضا الموظفين عن الإدارة، والذي هو أساسي لاستمرار المؤسسة.
تم النشر في: فبراير 2020
تحت تصنيف: أصحاب الشركات | نصائح لأصحاب الشركات